"أشتاق لأيام جميلة لم تأت بعد"، كانت جملة عارضة ألقتها إحدى زميلاتى فى العمل أمامى هكذا وذهبت فى طريقها، أما أنا فارتطمت الكلمة بأمواجى وعبرت شاطئى وتساءلت بعدها عن السبب الذى يدفعنا ويجعلنا نؤمن ونعتقد ونتأكد من أن القادم لابد أن يكون أجمل، من الذى كان وبأننا سنقضى أياما جميلة لم تأت بعد.
رجل وامرأة فى بيت مظلل له مدخل غريب، أشجار السرو تحيط بالمكان، رطوبة عالية ورائحة تراب معجون بالماء، رائحة الأرض مميزة فى بدايات ونهايات الشتاء، المنزل قديم، مرمم أو لربما ترك على حاله منذ سنين، جالسان أمام التلفاز، صامتان، بيده اليسرى علبة بيرة خضراء ولا أدرى فربما كان مسيحيا، فى الواقع أعرف أنه مسيحى، وليكن ذلك، لم يشرب من العلبة، ظل ممسكا بها، كان شارد الذهن مهموم، أم أن هذا ما حللته أنا بما أنه كان يحمل فى يده ما يحمل، تذكر كلاما أراد أن يقوله لزوجته فجأة، نظر لوجه العجوز الجالسة قبالته، حدثها، ثم عادا إلى سابق عهدهما، نظر إليها مرة أخرى وكان معاتبا لها بما أنها لم تجب فى المرة الأولى.
بيت آخر وطريق آخر، امرأة كبيرة فى السن، ذات شعر أبيض، ترتدى قميص نوم شتويا طويلا قد يكون لونه زهريا، بين يديها نباتات خضراء لم أستطع الجزم بنوعها، ولكنها كانت تبدو سعيدة، لربما تنتظر زائرا، أحد أولادها الذين يسكنون بعيدا هاتفها ليقول بإنه سيأتى ليتناول طعام العشاء معها، رجل دق بابها لتكتشف إنه أخوها الذى هاجر من سنين تاركا إياها هى وأختها الصغرى فى بيت لا تسكنه إلا عناكب صغيرة عششت لتؤسس بيوتا هناك..
وأنا كنت هناك تارة وتارة لم أكن، تركت عينى للعنان وراحت تلتقط من الصور ما تشاء ولأذنى ذات الشىء أيضًا، فرحن يلتقطن ما يشئن من أصوات غريبة ومريحة وأنفى كان شاردا يشتم كل ما يمر فى طريقه من روائح.
عينى شاهدت صورا كثيرة أرسلتها للدماغ الذى كان غائبا عن الوعى ليحلل، أما أذنى فسمعت أصوات سيارات ضخمة وإطارات مزعجة كانت تسير على الشارع، وعند الإشارة الضوئية الحمراء يعود الهدوء المخيف ليسيطر على الصورة، فلا تسمع إلا أصوات المحركات التى تهدأ شيئا فشيئا، وجوه متعبة وراء مقود كل سيارة وأطفال يأخذهم النعاس إلى حيث مدن الأحلام غير المحصنة .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة