لم يسعنى وأنا جالس فى تلك الحجرة التى يتوسطها مكتب أنيق يجلس خلفه رجل فى متوسط العمر... يبدو الوقار جلياً فى ملامحه ماسكاً قلمه يملأ بعض الاستمارات...
لم يسعنى فى ذلك الحين وأنا أقلب عيناى فى وجوه الحاضرين إلا أن أدفن وجهى بين راحتى.. لأخفى دمعة خانتنى وانحدرت.. أنظر للأسفل... أسترجع ذكريات قريبة قد خلت منذ ما يقرب من الثلاثة أعوام.
هى الحجرة نفسها التى شهدت حلمى الذى جاهدت وكافحت ووقفت فى وجه الدنيا بأسرها لتحقيقه والذى حلمت به دائماً ولو شئنا الدقة ... الذى حلمنا به معًا
لن أنسى تلك الليلة حين قالت لى فى همسٍ دافئ وهى ناظرة لعينى مباشرة فى حب :
أخيراً يا حبيبى حلمنا سيتحقق.... أخيراً
أخيراً ستصير زوجى .... وأبا لأطفالى
أخيراً ستجمعنا الدنيا ...
أخيراً سنعلن حبنا هذا للعالم بأسره
أخيراً سيضمنا عش الزوجية
لم يسعنى وقتها إلا أن أطبع قبلةً حانية على يدها
وأمسح بيدى دمعة الفرح التى انحدرت من عينيها
وأقربها من صدرى وأقول :
أخيراً ... ستصبحين زوجتى ..
مبارك لنا إن شاء الله
لن أنسى أيضاً تلك الفرحة التى ارتسمت على عينيها فى حياء إثر ملامسة أصابعى يديها وأنا ألبسها خاتم خطبتنا كما أننى أيضاً لن أنسى
"صباح الخير يا أرق حبيب فى الدنيا"
والتى عشت أستيقظ عليها كل صباح
عبر الهاتف الخلوى ....
كما أنه من الصعب جداً لو لم يكن ضرباً من المستحيل أن أنسى لمسة يدها الحانية حين كنت مريضاً وزارتنى وأبت إلا أن تضع بيديها الكمادات على جبهتى، وبرغم المرض والضعف وقتها. وعلى الرغم أنى لم أكن فى كامل وعيى وإدراكى مع ارتفاع درجة الحرارة والمضادات الحيوية التى تغزو جسدى لتزيد من ضعفه إلا أننى شعرت بسعادة جمة ....
سعادة وإحساس لست أجد فى قاموسى اللغوى ما يصفها، فقط إحساس فى القلب لا أتمكن من شرحه ولا تسعفنى ذاكرتى اللغوية لسرده، فمهما قلت... لن أصفه بدقة لو قلت إنه تيار كهربى لذيذ ممتع انتشر من رأسى عبر الدم إلى سائر جسدى، وفجأة شعرت بتحسن وأنا أنظر لعينيها ويداها لا تزال على جبهتى، ممسكة الكمادة... ناظرة إلى... بينما اليد الأخرى تعدل فى رقة بعض خصلات شعرى الأمامية المنسدلة.. كما أنه ليس من السهل نسيان ذلك اليوم الذى ذهبنا فيه لانتقاء فستان الزفاف.
حين سرنا سوياً وكأن الكون كله خالياً إلا منا
لم نشعر بمن حولنا
لم أشعر بشىء ولم أذكر فى تلك الليلة إلا أنها تأبطت ذراعى فى هيام وسرنا سوياً
وكأننا التحمنا وصرنا روحاً واحدة
وجسداً واحداً
كيف لي أن أنسى انعكاس صورتنا المتلألئة على اللوح الزجاجى لإحدى المحال التجارية التى كنا نقف أمامها نشاهد الفساتين المعروضة، حين أتت نسمة هواء باردة اضطرتها، لأن تقرب رأسها منى حتى لامست كتفى وتقبض على ذراعى بقوة ...
لست أدرى لم تمنيت وقتها أن أصرخ بعلو الصوت قائلاً :
أنا أعشقكِ يا حبيبتى
لست أدرى لم تمنيت أن أخبر العالم كله أنى أسعد رجل فى الدنيا
لست أدرى لم فكرت أن أصعد للسماء وأنقش حروف اسمها على السحاب
ليراها العالم بأسره
وتراه هى متى أرادت أن تناجينى فى شوقٍ
لن أنسى فى نفس اليوم بعد أن ابتعنا ذلك الفستان وأشياء أخرى
أثناء عبورنا للطريق وقد كنت شارداً بحمل الحقائب عنها ...
بينما سيارة تأتى مسرعة كادت تصطدمنى بعنف....
لولا أن يدها انتزعتنى من الموت بأعجوبة
بقوة تناقضت فى شدة مع رقتها المعهودة ...
لن أنسى فى أول عيد ميلاد لى بعد خطبتنا حين ابتاعت لى بذلة أنيقة
وحين أصرت على أن تربط لى رابطة العنق بنفسها
وتسحبنى من يدى لأنظر فى المرآة
لن أنسى ... لن أنسى....لم ولن أنسى ما حييت
تباً للخلافات السخيفة التى تفرق بين الأحباب
تباً للتدخلات العائلية التى تعكر صفو العشاق
تباً وتباً للقيل والقال
كذلك.. لن أنسى حين قال لى الرجل الجالس خلف المكتب
هل هذا قراركما النهائى يا أستاذ؟ !!
بذلت جهداً وأنا أقاوم فيضان من الدموع على وشك الانفجار
وأنا أتذكر صورة ابنتى حياة
وأنا أقول له : نعم
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة