محمد الدسوقى رشدى

اضطهاد المعاقين فى مصر

الخميس، 11 مارس 2010 12:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هنا فى مصر يمكنك بسهولة أن تعثر على الناس الأكثر كلاما عن المساواة والعدل وحق الآخر فى الحصول على ما يستحقه من الاحترام والتقدير، مهما كانت درجة اختلافه ومهما كان نوع هذا الاختلاف..

هنا فى مصر يمكنك أن تسمع هذا الكلام بتنويعات مختلفة، مرة على الطريقة الشعبية" كلنا ولاد تسعة وبنسعى"، ومرة على طريقة المثقفين "كلنا بشر وكلنا ضد العنصرية" ، ومرة أخرى على طريقة الشيوخ" الناس سواسية كأسنان المشط الواحد لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى"، ومرة أخرى على طريقة المطحونين والغلابة" كلنا فى الهم واحد"..

هذا ما ستسمعه هنا فى مصر، كلام جميل وكلام معقول لا يقدر أى مجلس لحقوق الإنسان أن يقول حاجة عنه، ولكن تبقى المشكلة فى أنه ليس كل ماتسمعه صحيحا وليس كل ما يقال على الورق وأمام الكاميرات وفى "قعدات" الشاى هو الذى يحدث فى الواقع، وإلا بماذا تفسر مايحدث للمعاقين أو ذوى الاحتياجات الخاصة فى هذه البلد التى يقال فيها الكلام السابق وكأنه حقيقة؟ كيف ستفسر تلك الأوضاع المتردية التى يعيشها المعاقون فى مصر على المستويين الرسمى والشعبى حينما تسمع تلك الكلمات الرائعة عن الحق فى المساواة؟.. الحقيقة تقول إنه لا يوجد تفسير لأمر تفسره قاعدة شهيرة فى مصر اسمها "ما على الورق لا علاقة له بالواقع"، ومايقال أمام الكاميرات يختلف تماما عما يحدث فى الشارع، وما تعد به الحكومة عكس ماتقوم بتنفيذه، لهذا يصبح الربط بين حال المعاقين المصريين ووضعهم الحالى وبين خطط الدولة وأوراقها الرسمية الخاصة بهم وكلام مسئوليها عنهم نوعا من العبث والدجل السياسى بالمصطلح الشيك، ونوعا من المتاجرة سيئة السمعة بأوجاع ناس سبق وأن قهرهم القدر من قبل بالمصطلح الذى لا يحب "تدليع الكلام".

قبل أن تنتهى من قراءة تلك السطور أو تقرر كيف ستتعامل مع قضية المعاقين فى مصر، أو تسعى لتحليل مظاهراتهم الغاضبة، وقبل أن تسقط فى فخ الوقاحة الإنسانية كما فعل بعض المسئولين أمام الكاميرات حينما اتهموهم بالمتاجرة بإعاقتهم.. توقف لحظة وأعلم أننا نتكلم عن حوالى 8 ملايين معاق، أو 8 ملايين مصرى وضعهم القدر فى خانة الظروف الخاصة إن شئنا أن يكون تعبيرنا دقيقا.
8 ملايين مصرى قرر القدر أن يمنحهم لقب ذوو الاحتياجات الخاصة، وقررنا نحن فى مصر أن نعذبهم بهذا القرار لا أن نعينهم عليه كما يحدث فى كافة بلدان العالم المحترم، 8 ملايين مصرى يعيشون معاناة مضاعفة مع الحياة التى نعانى نحن الأصحاء من التعامل معها، فإذا كان الأصحاء يشكون من المواصلات وسوء الطرق وطوابير الروتين ودوخة المصالح الحكومية، فتخيل كيف يمكن أن تكون شكوى ومعاناة ذوى الاحتياجات الخاصة؟

مرة أخرى نحن نتكلم عن حوالى 8 ملايين مواطن مصرى محرومين من الخدمات والحق فى العمل والحق فى الحياة الكريمة وحقوق أخرى كثيرة على المستويين الشعبى والرسمى، لدرجة أن البعض استكثر عليهم خروجهم فى مظاهرات تطالب بأبسط حقوقهم الضائعة ليضيف إلى معاناتهم معاناة أخرى ملخصها يقول إنه ليس من حقهم الاعتراض أو التفكير فى الخروج من الغرف المظلمة إلى حيث نور الحياة العادية.

أزمة المعاقين الحقيقية فى مصر لا تكمن خطورتها فى القوانين التى لا تمنحهم حقوقهم ولا فى الحكومة التى لا تقدم لهم الرعاية المستحقة، ولكن تكمن خطورتها فى أنها أزمة ثلاثية يشارك فى تضخيمها الحكومة وثقافة الشعب والبعض من المعاقين أنفسهم، ولكن يبقى جرم الدولة فى حقهم هو الأكبر والأسوأ لأنها أسقطت المعاقين فى مصر من أجندتها تماما وتعاملت معهم بطريقتين كل واحدة منهما تمثل كارثة إنسانية تكفى لإدانة مصر أمام العالم الذى يحترم حقوق الإنسان بغض النظر عن وضعه الصحى أو شكل تكوينه الجسمانى، الطريقة الأولى تعاملت الدولة من خلالها مع المعاقين وكأنهم عالة على المجتمع وعبء ثقيل تتجنبه ولا تفكر فى حلول لمشاكله، والطريقة الثانية هى إسقاطهم تماما من الحسابات، وتبقى آثار كلتا الطريقتين واضحة فى المشهد النهائى لحال المعاقين فى مصر سواء فى قانون الـ5% الذى يلزم كل صاحب عمل بتعيين هذه النسبة فى مصانعه أو شركاته، وهو القانون الذى يظهر مدى استهتار الدولة بالمعاقين حينما تكتشف أنها وضعت غرامة لا تتعدى 100جنيه مصرى لم لا يلتزم بتعيين هذه النسبة من رجال الأعمال وأصحاب الشركات.

نوع آخر من المعاملة الحكومية مع المعاقين لايمكن أن يوصف إلا بالتجاهل المتعمد لأكثر من 8 ملايين معاق فى مصر يمكنك أن تلحظه فى أرصفة الشوراع التى تم بناؤها دون أى اعتبار لهم، ودورات المياه المجهزة الذى يصبح العثور عليها فى شوارع القاهرة ومصالحها مثل البحث عن إبرة فى كوم القش، وأماكن انتظار السيارات والأماكن المخصصة فى المواصلات التى يتم تخصيصها على استحياء ودون الوضع فى الاعتبار أن المعاقين فى مصر 8 ملايين وليسوا 10 أفراد.

الدولة هنا ليست بمفردها فى خانة الإدانة وإن كانت صحيفة ذنوبها أطول وأكبر، فنحن أيضا شركاء لها فى هذا الاضطهاد المنظم بتلك الثقافة التى سيطرت على الشارع المصرى وجعلت أغلب السائرين به يتعاملون مع المعاق وكأنه عبء، فتنظر كل عائلة لفردها المعاق وكأنه سبة فى جبينها، ونتعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة وكأن أماكنهم الطبيعية هى الدفن فى غرف مظلمة وكئيبة، إما بسبب تصور خاطئ لدينا بأننا نحميهم بذلك من الدنيا الصعبة، أو بسبب تصور آخر شرير وسىء الخلق يوحى لنا بضرورة التخلص منهم ومن أعبائهم.

نحن ظلمانهم بل كنا أكثر ظلما لهم من الحكومة حينما حاول الكثيرون منا أن يسرقوا القليل من الحقوق التى منحتهم لها الدولة، ظلمناهم وسرقناهم حينما يهرول البعض منا للجلوس فى أماكنهم فى المواصلات والمصالح، وحينما يسرق البعض منهم مكان ركن السيارات المخصص لهم، وحينما يستخدمهم بعضنا للتحايل على القانون من أجل شراء سيارة أرخص سعرا، وحينما يتعمد أغلبنا مصمصة الشفايف وإظهار كل ملامح الشفقة حينما يشاهدهم أو يتطوع لمساعدتهم.. نحن ظلمناهم لأننا كنا نسعى لإقناعهم بأن إعاقتهم عجز يستلزم جلوسا فى البيت ولم نساعدهم فى التعامل مع الحياة بشكلها الطبيعى، وبعضهم أيضا ظلم الكل وظلم نفسه حينما استسلم لما فعله القدر ومافعلته الحكومة ومافعله الناس به وقرر أن يتقوقع داخل إعاقته متخيلا أن العالم انتهى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة