كلما رأيت شيئا يتساقط، أو يقتلع من مكانه أو يتحطم بنيانه، ثار بداخلى الفضول الذى لا يهدأ. ترى ما هو مصير تلك الأشياء؟
تعلمنا فى مدارسنا – التى لم نتعلم منها الكثير- أن المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم إذا فماذا بعد سقوط ورقه الشجر أو التخلص من قصاصات الورق أو حتى تقليم الأظافر؟؟؟
كل تفصيله من تلك الأشياء لم تنته بعد. فورقة الشجر قد تتحلل فتصبح غذاء لكائنات دقيقة مثلا. وقصاصات الورق قد يعاد تدويرها والاستفادة منها بطريقة أو بأخرى. ولكن أظافرنا هى التى شابها الغموض -بالنسبه لى- فهى جزء منا ولكنى على الرغم من ذلك لم أدر إلى أين سيؤول بها المآل؟
هذا هو الإنسان. هو فى غموضه كظافره لم يعد مفهوما لنفسه قبل الجميع. فالخروج عن المألوف والأخذ بنقائض الأمور والتمرد على الفطرة هو دستور هذا الزمان.. وحتى هذا ليس من المؤكد ولا المسلم بصحته فربما هذا الزمان بلا دستور فلم يعد من السهل معرفة أو توقع الفكرة التى تسيطر عليه. نعم أتحدث عنه وكأنه غريب عنى وكأنى لست إنسانا.. فلم تعد معالمه واضحة ولا سماته ظاهرة ذلك الذى نلقبه بالإنسان.. ربما فى حقبة من الزمان كان الغموض قاصرًا على طبقات بعينها لا يتعداها.. يختنق داخل أسوارهم ولكنه لم يكن ليطل هؤلاء البسطاء الذين شيدوا تلك الأسوار.. أما اليوم فقد طال الجميع.
ربما أكون مخطئا حينما شبهت الإنسان بظافرة إذ ربما يعلم أحدكم أين يذهب ولكنى على الأقل لست أدرى.. أنت تعيش بين الكثيرين وتتفاوت درجه الاختلاط والمعرفة بينك وبينهم وربما تظن أنك تعلم ما يدور برأس أقرب الأقربين إليك ولكن هل هذا صحيح؟
إن قلت نعم قد تبدو إجابتك بديهية إلى حد كبير.. أما لو فكرت للحظات فسوف تتذكر ذلك الموقف غير المتوقع الذى صدر من ذلك القريب إليك، وبمرور الوقت والتعمق فى التفكير ستدرك أن الكون كله ليس كما تراه أو تتوقعه. فنحن فى عالم اللا معقول واللا مقبول. فليس لهذا الغريب الذى يسكنك وتسميه نفسك تعريف مؤكد، ولا شكل مميز. لم تر روحك من قبل ولا تعلم ما سر تلك الحركات الغريبة التى تعودت عليها منذ زمن. أنت مجهول لنفسك فكيف بحال الناس؟.. فى عصورك الأولى لم تكن هكذا.. لم تكن بهذا التعقيد، كنت تعلم ما تريده وما يريده غيرك لأن الهدف الوحيد كان واحدا. البقاء. ولا شىء سواه. ولكنك سرعان ما تركت البقاء لتفكر فى الخلود. وأنت تمنيت الثروة. وأنت تمنيت النفوذ. وأنت وأنت وأنت.
هل ترى كم شخصا أصبحت؟ هذا هو الغموض.
فالمشكلة ليست فى الظافر ولكن فى أين يذهب، والمشكلة ليست فى الإنسان ولكن فيما يفكر. تلك دعوة لفهم التفكير وربما محاولة للتمرد على التمرد الذى بات الأصل فى تلك الأيام، حتى لا تضيع معالمنا الإنسانية فهى أهم بكثير من نظريتها الأثرية. فإن كان الأثر يستمد قيمته من التاريخ. فعلينا ألا ننسى أن هذا الإنسان الغامض هو من صنع التاريخ. وأن نفهمه وهو حى أولى من أن ننبش قبره وهو ميت بدعوى البحث والفهم. فحينها لن يعطينا الكثير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة