أكرم القصاص - علا الشافعي

د. خميس الهلباوى

أوكازيون الترشح لرئاسة مصر

الإثنين، 01 مارس 2010 07:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ظهرت فى الأيام القليلة الماضية موجة من التيارات الداعية للإصلاح السياسى فى مصر والمتحمسة للتغيير، وهى بلا شك ظاهرة صحية، وإن كنت أعتقد أن كل موجة من تلك التيارات لها دوافعها الخبيثة أو الساذجة.

وكانت تلك الموجة قد بدأت فى انتخابات الرئاسة الماضية سنة 2005، بإعلان ودخول بعض رؤساء الأحزاب الهشة ومنها حزب الغد وبعض الأحزاب الأخرى ضد الرئيس مبارك، ووصلت الان بأخبار تفيد ترشيح شباب ما يسمى بالإخوان للسيد الدكتور محمد سليم العوا الإخوانى المعتدل عن التيارات المتشددة من قيادات الإخوان المسلمين، اعتقاداً منهم كغيرهم أن الساحة أصبحت خالية من أى زعامة مصرية وطنية حقيقية تستطيع تحمل مسئولية هذا الوطن الغالى، وأصبحت مسألة اختيار رئيس لمصر وكأنها البحث عن فدائى أو مغامر لحكم مصر مهما كانت دوافعه شرقية أو غربية أو دينية أو متعصبة أو متحيزة لجهة أجنبية.

وتظهر اقتراحات ترشيح رؤساء لمصر وكأن مصر فقيرة بالزعماء الوطنيين المخلصين من أبنائها، والجميع يلبسون ثوب الإخلاص للوطن فوق الأثواب التى تدارى وتوارى اتجاهاتهم الحقيقية.

ومشكلة المرحلة الحالية أن من يدعون حرصهم على الوطن،ويتقدمون للترشيح طمعاً فى سلطة مركزية مطلقة، لا يعرفون أو يتناسون أو يتجاهلون أن هناك وثيقة وعهدا وعقدا، بين الشعب المصرى، وبين ثورة 23 يوليو المصرية متمثلة فى زعيمها جمال عبدالناصر، بعد نكسة 1967، حيث فوض الشعب زعيم مصر فى تركيز استقلاله بالقرار السياسى والعسكرى والمدنى وكان مبدأ هذا العقد هو أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ونسى الجميع أن هذا العقد مدته مشروطة بإزالة آثار العدوان على مصر الذى حدث منذ قيام الثورة وانتهى بنكسة 1967.

ولولا ثقة الشعب فى قياداته العسكرية وقدرته على حل المشكلة التى كانت قائمة ما وافق على تفويض كامل سلطاته لهم.

ولكن نسى الشعب ونسيت القيادة السياسية أن هذا العقد بطبيعته التى تكمن فى قلب كل مصرى عاش ذلك العصر ووافق عليه سينتهى بانتهاء حال الطوارئ من الحرب مع العدو وانتهاء الغرض من حالة "لا يعلو صوت فوق صوت المعركة" تلك التى كانت سوف تنتهى بانتهاء آثار العدوان.

وقد انتهى فعلاً هذا العقد وهذا العهد بين الشعب المصرى وبين زعامة الثورة المصرية برد آخر شبر من أرض مصر يوم أن رفع الرئيس مبارك علم مصر فى طابا على آخر قطعة أرض احتلها الإسرائيليون سنة 1967.

ولكن كان من ضرورات المرحلة ومن واقع الأمور أن الطمع فى حكم مصر نتيجة نظرية ملء الفراغ فى الشرق الوسط من القوى والدول الأجنبية والاستعمارية، بالإضافة إلى رغبة بعض من عذبهم جمال عبد الناصر، من جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة الثورة المصرية قد دفعهم، إلى محاولات إثارة الفوضى فى مصر، مما اضطر القيادة السياسية والعسكرية المصرية إلى الاستمرار فى حكم مصر بموجب نفس العقد السابق، بين الشعب وقيادة الثورة المصرية متمثلة فى شخص الرئيس مبارك، الذى انشغل تماماً فى محاربة محاولات الاعتداء على الأمن القومى المصرى داخليا وخارجياً، مما أتاح لبعض القوى المفروض أن تكون وطنية إلى الاعتداء على حرية مصر وثروتها الاقتصادية ونظمها الإدارية وإثارة الفوضى بين ربوع إداراتها المختلفة.

فانتهزت تلك الفئة من أبناء مصر انشغال الرئيس بأمور الأمن القومى وراحت تنهش فى أراضى وثروات مصر، ونشر الفساد الذى لا تقل محاربته ضراوة عن محاربة الأمن القومى المصرى، وانشغل الجميع بالهبش ما عدا المصريين البسطاء الشرفاء الفقراء، حتى فاحت وسادت رائحة الفساد فى كل مكان وبدأت موجة المطالبة بالإصلاح، وهو مطلب غير منطقى وصعب تحقيقه بشفافية، لأن الطلب المنطقى، هو "إعادة حق الشعب المصرى إليه" ذلك الحق الذى تنازل عنه طوعا لزعامته العسكرية لإزالة آثار العدوان فقط بعد هزيمة 1967.

وتسبب الفساد فى فشل إدارة النظام الحكومى المصرى الذى ابتعد تماما عن أصول النظم الإدارية الحكومية فى معظم دول العالم الأقل تطوراً من مصر، وربما يكون ذلك ناتجاً عن تلاشى القواعد التى كانت تحكم العمل الحكومى خلال فترة ما قبل الثورة وكانت المرافق والخدمات الحكومية للمواطنين أعلى كفاءة بمراحل لا يمكن مقارنتها بأى صورة حالية.

وابتعد النظام الحكومى المصرى "الذى ليس له وجود فى مصر الآن"، عن قواعد علوم الإدارة الحديثة للمؤسسات والحكومات ومازال يتخبط فى مشاكل القربة المهترئة ثقوباً فإذا نجحت "الحكومة" مصادفة فى سد أحد الثقوب زادت الطين بله، وارتفعت ديون الحكومة بدون داع، وعجزت السياسات الحكومية عن مواكبة الزيادة السكانية فبدأت القيادة السياسية تطالب بتحديد النسل "الذى إذا كان مناسبا فى ظروف الحرب مع إسرائيل فإنه يجب أن يكون عكسياً فى فترات السلم"، لأن الحكومة الرشيدة مسئولة عن تدريب المجتمع وإيجاد الحلول اللازمة لاستيعاب الزيادة السكانية وتدريبها وتحويلها إلى ميزة نسبية بدلا من الإلحاح والبكاء على وقف الزيادة السكانية التى لن يجدى أى نباح لوقفها، ولا يوجد فى مصر حالياً حكومة حقيقية لأن الحكومة نظام يطبق بالتزام، قبل أن تكون موظفين يستغلون وظائفهم.

إن مشكلة التيارات الداعية للإصلاح السياسى والدستورى، التى تضم آلافاً من النخب السياسية والفكرية، والأحزاب والتجمعات التى تناضل منذ سنوات طويلة، ووسط ظروف صعبة، لتطوير النظام السياسى المصرى، ليكون نظاماً ديمقراطياً عصرياً وفق المعايير الدولية يجب أن تبدأ من بداية المطالبة بانتهاء التفويض الممنوح والعقد القائم بين الشعب المصرى والقيادة العسكرية الثورية المصرية منذ حرب 1967 والمتمثلة فى الرئيس مبارك الآن، بطرق ودية تعمل على مصلحة الوطن بنفس الطريقة التى منحت الرئيس جمال عبد الناصر الحق فى استخدام حق الزعيم المطلق للمجتمع بطريقة مطلقة مركزية، يتخذ مايراه من قرارات سياسية وعسكرية ومدنية باسم الشعب.

وما يدعونى إلى ذلك هو أنه منذ بداية مزاد ترشيحات البعض لرئاسة مصر، لم يتقدم مرشح واحد أو مدعى واحد ببرنامج مناسب ينطوى على فكر معقول لحل مشاكل مصر ومواجهة واقعها فالحميع يطمع حتى الآن، فى التمتع بالحكم المركزى لمصر، ولا تزال الرؤى التى طرحها جميع المعروضين للترشيح فى حواراتهم التليفزيونية، أقرب إلى الاعتراض فقط على الأوضاع الحالية، ولم نجد أحدهم يتقدم بصياغة لرؤية واضحة للمستقبل، أو تحديد نوع النظام الدستورى الذى يحل محل الدستور القائم، وهل يكون نظاماً جمهورياً برلمانياً كاملاً، أم نظاماً رئاسياً كاملاً، أم خليطاً من الاثنين، وبأى درجة؟!، ولكن جميع من يتقدمون يكتفون بطرح إما الإسلام هو الحل، أو يطرحون مطالب جزئية تتعلق بالانتخابات البرلمانية والرئاسية الوشيكة، ومنهم من يحاولون استخدام الآخرين مطية لتنفيذ أغراض عنصرية أو دينية للسيطرة على الحكم بأى طريقة، ومنهم المندفعين بتأييد دول أجنبية تعمل لحساب إسرائيل لمجرد السيطرة على النظام السياسى فى مصر تحت شعارات دينية أو سياسية زائفة وبرغم تضاد الأهداف بين النظم الدينية المتطرفة وإسرائيل إلا أن الاثنين يتوافقان على موقف معاد لشعب مصر، تطبيقاً لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

وإننى أعتقد أن معظم الوجوه الجديدة التى تقدم إلى الشعب المصرى فى أوكازيون رئاسة مصر مجرد مَاسْكات تخفى وراءها دول أو اتجاهات أو سياسات لا تبشر بالخير لشعب مصر، وأرى أن البدء بحلول سلمية لإصلاح النظام والعودة إلى تطبيق دستور جديد يناسب الشعب ويوائم عصر الديمقراطية والحرية السياسة، امتداداً لسياسة مصر ما قبل ثورة 1952 مع التغييرات اللازمة لكون مصر دولة ديمقراطية رئاسية برلمانية بنسب مزج معقولة ديمقراطية، تعمل من خلال مؤسسات دستورية نشيطة، الفصل بينها واضح ومراقبتها لبعضها لصالح الشعب مؤكدة، مع حكومة حقيقية نشطة تتضمن وسائل التخطيط والتنفيذ والمواقبة والثواب والعقاب مع باقى المؤسسات الدستورية الأخرى.

مع البدء بتوعية الشعب المصرى بحقوقه السياسية والتأكد من اشتراكه بإيجابية فى تحديد مندوبيه فى مجلس الشعب ونسف النظام الانتخابى القديم والموافقة على الرقابة والمراقبة الدولية والقضائية على الانتخابات.

نريد بداية صحيحة لنظام مصرى سياسى نموذجى ولا نريد علاج مرض بمرض أخطر وأصعب.

• دكتوراة فى إدارة الأعمال ورجل أعمال.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة