عبد المنعم فوزى

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

الثلاثاء، 09 فبراير 2010 12:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"الإبل والخيل والغنم".. أهل الخليج بيقولوا أنهم من التراث الأصيل وده كلام جميل مأدرش أقول حاجة عنه. المشكلة أن تتحول الحكاية إلى فشخرة وبهرجة إعلامية بالإفراط فى حفلات ومسابقات ذهب زمنها وانتهى عهدها. الدليل إقامة مسابقة دولية لاختيار "ملكة جمال الإبل" على مستوى دول الخليج، تقدم لمربى الجمل الفائز جوائز تصل قيمتها 10 ملايين دولار. مسئولون فى اللجنة المنظمة للمهرجان بيقولوا إنها "صارت الأشهر عالميا" و"أكبر تجمع للإبل فى مكان واحد على مدى التاريخ". هيئة أبوظبى للثقافة والتراث، قالت أنها تأتى ضمن جهود الهيئة فى الحفاظ على التراث الثقافى للخليج.

المثير أن خبراء التحكيم فى المسابقة حيفحصوا كافة أجزاء جسم الجمل من تفاصيل الرأس والرقبة وقوة ودرجة وقوف الأذنين والشارب، وشكل الأنف، وطول الغارب وشكل السنام وموقعه، طول الظهر، والرشاقة إضافة لصحة الجسم ولمعان الشعر. صحيح أن الابل كانت فى الماضى ضرورة ملحة من لحومها وألبانها ووسيلة التنقل الوحيدة ووصل التذلل لهذا التراث فى أغنية أم كلثوم إللى بتقول "أبوس القدم وأبدى الندم على غلطتى فى حق الغنم" كل ده للغنم حاجة تجنن. النتيجة اليوم أن لحوم الإبل وألبانها مهم لبعضنا والبعض الآخر يعتبرها ترفيها عن النفس وقضاء لأوقات الفراغ لا أكثر أو أقل ولا تستحق حكاية مسابقة الجمال ومبالغ تضيع على الفاضى. السبب أن أغلبية مجتمعاتنا العربية تعيش الحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة. الدليل أن 40 مليون عربى يعانون من نقص التغذية، بنسبة 13% من السكان، مع مائة مليون عربى يعيشون تحت خط الفقر. التساؤل الذى يفرض نفسه هل كفى أغنياء العرب هؤلاء الفقراء ثم بدأوا يلتفتون للإبل. حتى لو كفينا كل هؤلاء فهل يمكن أن نقيم مثل هذه المسابقات؟ الاجابة بالطبع لا ولكن لاننا نعشق الماضى فى كل شيء, فنحن خلف أمم القرن الواحد والعشرين والقرن العشرين وما قبلها بقرون.... لم نصنع سيارة... ولا طيارة.. ولم نشارك فى صنع هذه الحضارة. الدليل أن الأمريكى ينتمى إلى قوى عظمى وحيدة تتحكم فى العالم بحضارتها وعلومها، الأوروبى سليل حضارات متعاقبة لم تنضب بعد... الصينى يسعى لصناعة حضارة متفوقة، الكورى ينطلق كالصاروخ فى سماء التقدم الحضارى حتى الهندى انضم إلى نادى حضارة القرن الواحد والعشرين. أما إحنا فلا نعرف غير الإنفاق ببذخ ومتصورين ان العالم ما بيفكرش إلا فى القضاء علينا ولا نفعل غير الدعاء أن يهزم الله صانع هذه الحضارة.

على أرض الواقع نجد صورتنا أمام العالم وحوشا ومصاصى دماء ورافضين للحضارة وإرهابيين لا يحترمون أى حقوق للإنسان أو كرامته وكلما حانت فرصة للتقدم أو التطور... حولوها إلى فرصة للتناحر والتأخر والعودة إلى الوراء.
فهل حقا نحن خير أمة أخرجت للناس؟

الدليل أن بعض الدول الخليجية الصغيرة وجدت أنها أصبحت قوى مالية ونفطية مهمة ولكنها لم تقدم مساعدات إلى الدول الفقيرة جارتها مثل اليمن أو حتى الصومال. عملت إيه؟ دخلت فى منافسة عقيمة مع دول عربية اخرى وبدلا من التكامل والتعاون بيننا، دخلنا فى منافسة مع بعضنا البعض دعمتها ونفخت فيها دول أقليمية ودولية وأقنعوهم بأنهم كبار بفلوسهم يستطيعوا أن يشتروا التقدم والحضارة والنفوذ. وقديما قالوا «إذا تساوت الرؤوس تناطحت». المشكلة أن الرؤوس العربية فقدت قدرتها على التفكير منذ فترة طويلة، نامت فى العسل واستحلت الكسل وأصبحت هشة لا تملك رؤية واضحة لكيفية توجيه الأموال التى تمتلكها إلى الضروريات أو حتى مساعدة إخوانهم وجيرانهم سواء فى اليمن أو الصومال أو العراق ناهيك عن فلسطين والسودان. السبب أننا نسينا أنفسنا ولا نقوى على الجلوس معا فى هدوء وتعقل لمعرفة ما الذى أصابنا؟ وأين العيب الخطير المزمن فى هذه الأمة الذى لم يتم تشخيصه بعد؟ ومعالجة هذا العيب بعد الاعتراف به.

النتيجة أن الجميع الآن يستهزئون بالأمة العربية والإسلامية ولا يأخذونهم مأخذ الجد. فما الذى حدث؟ وإلى متى سنبقى منقسمين متشرذمين تنقصنا الكلمة الوحدة؟ الحل ترميم البيت العربى من الداخل، بعد أن أصبح آيلا للسقوط، والإيمان بأن الامم القوية لا تستمد قوتها من سواعد الآخرين، ولا تفرض احترامها بالإفراط فى الحفلات التنكرية.عندما كنا صغيرين كانت امى تحفظنا المثل الشعبى «أنا وأخويا على ابن عمى، وأنا وابن عمى على الغريب»، لتعلمنا أهمية التعاون والتماسك بيننا كإخوة عرب ومسلمين .العلاج أن نعرف كيف ننقد أنفسنا دون تخوين أو تضليل أو تهويل بعد أن رفضنا النقد سنوات بحجة "متشمتش حد فينا" و"دارى على عيوبك يغلب عدوك فيك". الغريب أن أمثالنا العربية بتقول "أن آخر الدواء الكى " ولنبدأ من الآخر .السبب أنه مازال أمامنا فرصة أخرى كى نسير مع العالم لان قطار عولمة القرن الجديد لا يحتاج أكثر من معرفة قيمة العمل والإصرار على المنافسة والفرصة ما زالت متاحة .البديل أن نظل ندور ونلف حول كلمات المتنبى قبل أكثر من ثمانمائة عام: "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم...." فلم يعد هناك من حل إلا هذه الفرصة....فإما أن نكون أو لا نكون.... وإذا اخترنا أن لا نكون كعادتنا فأرجوكم استخدموا الملايين العشرة جوائز المسابقة فى مزيد من الدعم للفقراء العرب.. فهم أولى من الإبل.

* نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة