شريف عبد المجيد يكتب: "إدريس على" واحد ضد الجميع

الثلاثاء، 09 فبراير 2010 09:32 م
شريف عبد المجيد يكتب: "إدريس على" واحد ضد الجميع الكاتب شريف عبد المجيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك كتَّاب يمكن اعتبارهم كتابا فطريين يمتلكون تجربة حياة عريضة وكل حلمهم أن يسجلوها على الورق كمحمد شكرى فى المغرب ومحمد الماغوط فى سوريا ومحمد مستجاب ومحمد حافظ رجب فى مصر، ويندرج إدريس على فى هذه القائمة من الكتاب، وربما يكون النموذ ج العالمى لتلك الكتابة الواقعية التى تعبر عن المهمشين بصوتهم وبطرائقهم فى التعبير الكاتب الروسى الشهير مكسيم جوركى.

صحيح أن هذا النوع من الكتابة كان يمثل طريقة هامة جدا فى القرن التاسع عشر، لكن يظل هذا النموذج صالحا طوال الوقت ويكشف الكثير من الحقائق والأفكار التى يكتبها الكتاب الآخرون بطرق مختلفه لذا يظل لتجربة إدريس على الحياتية أهمية كبيرة فى سرده لرواياته وقصصه القصيرة.

كانت طفولة إدريس على صعبة جدا، حيث عمل لدى أسرة مسيحية، وكانت ربة هذه الأسرة هى التى اكتشفت فيه حبه للقراءة، وساهمت فى إمداده بالكتب الموجودة فى المنزل فى أوقات الراحة من العمل وكان أول ما وقع فى يديه هو كتب الأدب الروسى والتى وجد فيها قصصا لأفراد مهزومين يقاومون واقعهم الصعب وكان لحى بولاق أبو العلا الأثر الآخر الكبير فى نفسه وتحديدا فى شكل العلاقات الإنسانية بين الأسر وطريقة الحياة الاجتماعية فى ذلك الحى الشعبى، وكما هرب إدريس من قريتة إلى القاهرة هرب من دراسته بالأزهر ولم يستطع إكمالها.

عايش إدريس على تجربة حرب اليمن كجندى صغير لم يعرف ما الذى أتى به لهذا المكان ومن هى الجهة التى يحاربها وما هى مهمته تحديدا وأول علامات النصر لأى جيش أن يعرف أصغر جندى المهام الموكلة إليه وإلا كانت النتائج مفزعة، بعدها عاد إدريس ليشارك فى حرب 1967 ليرى بنفسه أحلام الأمة العربية كلها تتحطم فى ست ساعات ويرى الفرق الكبير بين الشعارات الرنانة والحقيقة فى أرض الميدان حاولت القيادة فيما بعد أن تعدل من أساليبها وتصحح أخطاءها، إلا أن ذلك الجرح لم يندمل فى قلب ذلك الجندى الصغير الذى ظل مجندا حتى حرب 1973 حرب استرداد الكرامة المسلوبة، وبينما كان تغيير كل المفاهيم التى تربى عليها يتم على قدم وساق فى فترة الانفتاح كان على ذلك الشاب الذى تزوج أن يجد قوته وقوت أسرته وهنا بدأ المشاركة فى رحلة النزوح التى جربها كل أبناء الطبقات الدنيا والمتوسطة من المصريين بعضهم إلى دول الخليج ودولة العراق والبعض الآخر إلى ليبيا، وكانت ليبيا من نصيب إدريس ذهب فى الفترة من 1976إلى 1980 وهكذا كانت حياته ضربات مؤلمة متوالية من القدر لا يمكن أن يجابهها أحد سوى بالجنون أو بالكتابة وربما بمزيج من الاثنين معا، كانت تلك السنوات الأربع التى قضاها إدريس على فى ليبيا سنوات عبثية بامتياز حيث حدث توتر فى العلاقات بين مصر وليبيا الطامحة فى ذلك الوقت للعب دور الشقيق الأكبر هى والعراق بدلا من مصر وهى سنوات توقيع معاهدة كامب ديفيد فى نفس الوقت، لذا ربما عانى المصريون فى ذلك البلد وفى تلك الفترة أكثر من أى دولة هاجر إليها المصريون.

رجع إدريس إلى مصر وعمل فى وظائف صغيرة عديدة وكان حلمه الوحيد أن يصير كاتبا صدرت أعمالة فى تلك الفترة معبرة عن شعور عميق بالاضطهاد والمهانة التى يلقاها البسطاء فى ذلك العالم الذى لا يحوى أى بهجة لهم فكانت أعمال وقائع غرق السفينه وواحد ضد الجميع، حيث كانت الفكرة المسيطرة على ذهن إدريس على دائما هى فرد يواجه بسلطات قاهرة تدفعه إلى الجنون أو الهذيان، وعليه دائما أن يصارع تلك الجهات وذلك القدر ربما غلف إدريس على أعماله بحس "كفكاوى" فى بعض الأحيان وكانت الخيارات دائما واضحة ومباشرة بين الخير والشر بين الفساد والفرد المسالم.

بعد ذلك طرح إدريس على روايته دنقلة التى جرت عليه المشاكل من كل جانب فلم يرض عنها النوبيون ولم ترض عنها المؤسسة الثقافية واعتبر إدريس على كاتب انفصالى بل وضد الوجود العربى فى مصر، وأعتقد أن إدريس لم يكن يقصد أن يكون متطرفا فى آرائه بل هى طبيعته المعبرة عن قناعاته الشخصية، فهو لا يعرف اللون الرمادى ويحاول أن يقول كل ما يعرفة دون أى خطط مسبقة.

تعلم إدريس على درس تلك الرواية ولم يعد صداميا فى أى من أعماله التالية وبل أنقلب على أفكار رواية دنقلة وصرح أكثر من مرة أنه ضد التطرف النوبى وخاصة بعد روايته "اللعب فوق جبال النوبة" كانت أجمل رواياته من وجهة نظرى هى رواية انفجار جمجمة لأنها معبرة عن أعماقه وهواجسه الداخلية، وتشير إلى مخاطر الدولة البوليسية ومعبرة عن طوق الإنسان الفرد إلى مجمتع عادل يستطيع أن يعيش فيه بحرية كانت انفجار جمجمة رواية جميلة مكتملة ربما لأنها الرواية التى صغى فيها إدريس على لما يسيطر عليه من أفكار عصابية كأى مبدع حقيقى تطارده أفكار معينة طوال الوقت وظل إبداع إدريس على يترواح بين التعبير عن الفقراء والمهمشين كما فى روايات تحت خط الفقر ومشاهد من قلب الجحيم وبين التعبير عن النوبة كما فى روايات النوبى واللعب فوق جبال النوبة حتى كتب تجربته الحياتية عن الفترة التى قضاها فى ليبيا فى روايته الأخيرة "الزعيم يحلق شعره" والتى اعتقد أنها أقرب للسيرة الذاتية وهى شهادة هامة علينا أن نقرأها جيدا وهى عمل إبداعى يجب أن يحتفى به لا أن يصادر وهكذا كانت هواجس إدريس على وخوفه من القمع والمصادرة بل وترقبه للهاتف والمكالمات التى تأتى من مجهول ويظل يحكى لك عنها كلما قابلك واقعا قابل للتصديق بعدما كنت أظن أنها مجرد خيال روائى يعيش منعزلا ويبحث عن أى حكايات يشتبك فيها مع الواقع حتى ولو كانت مجرد أوهام. ترن فى أذنى الآن ضحكات إرديس على فأرجع معه إلى سنوات الطفولة الأولى لنشاهد ضحكات ذلك الطفل الذى كان يهرب من محصل القطار حتى يصل إلى القاهرة ليواجه فيها مصيره المجهول.


موضوعات متعلقة:

المعلم: مصادرة روايتى"على" و"صبح""ألاعيب ناشرين"
إدريس على: الدولة صادرتنى "على سبيل المجاملة
حقوقيون : مصادرة الرواية عربون زيارة مبارك لليبيا
أمين اتحاد الناشرين: لا علاقة لنا بالرواية المصادرة
النمنم: أمن الدولة لم يدخل معرض الكتاب
ناشر رواية الزعيم يحلق شعره: أعامل معاملة المجرمين
الأمن يصادر رواية إدريس على بمعرض الكتاب
رواية "الزعيم يحلق شعره" لإدريس على





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة