لعل أهم ما استطاع الأديب والمؤلف المسرحى السورى القدير محمد الماغوط أن يتركه لنا من إرث فنى وثقافى هى الأعمال التى ستظل خالدة فى أذهان العرب على مر السنين، ففى الوقت الذى تمكن فيه النجم السورى -المبدع دائما- دريد لحام من تجسيد رائعة الماغوط المسرحية "كاسك يا وطن" عام 1979 ليعبر بها عن آلام وآمال المواطن العربى أبهرت المشاهد العربى ومازالت تبهره حتى يومنا هذا، إلا أن عقلى اختزل المسرحية –رغما عني- فى اسمها حينما شاهدت التغطية الإخبارية التى قدمتها قناة العربية الفضائية لمباراة مصر والجزائر فى الدور قبل النهائى لكأس الأمم الإفريقية والتى انتهت بفوز مصر بأربعة أهداف ردت إلى المصريين أرواحهم التى انتُزعت منهم ليلة مباراة أم درمان؛ ذلك أن القناة استضافت الجزائرى رابح ماجر والمصرى أحمد الكأس الذى كان سببا فى تذكرى لاسم تلك المسرحية، فقد قدم أحمد الكأس مباراة أخرى على هامش مباراة مصر والجزائر -التى أداها اللاعبون فى الملعب- لعب فيها دور حارس المرمى والمدافع ولاعب خط الوسط والمهاجم وكل المراكز الأخرى أمام منافسه –طوال أيام البطولة- رابح ماجر.. أحمد الكأس ذكرنا بأدائه فى الملاعب حينما كان يتفنن فى مغازلة شباك حراس مرمى الخصوم فقد استطاع أن ينتزع من ماجر اعترافات صريحة وفنية بأن فريقه –الأخضر- كان أكثر من ضعيف وأن المكسب المصرى تحقق عن جدارة واستحقاق دون أى هتاف أو ضجر.. أمتعنى الكأس فى حواره الذى كان أكثر من دقيق ومركز، ففى الوقت الذى بدأ فيه ماجر حديثه بعد المباراة بحنق شديد وعصبية بالغة محاولا الدفاع عن فريقه وتعليق هزيمتهم على شماعة الحكم البنينى "كوفى كودجيا" بحجة أنه جامل الفريق المصرى، بدأ الكأس يفند لماجر أسباب الهزيمة بأن المصريين نجحوا فى استفزاز الجزائريين وإخراجهم عن تركيزهم، فما كان من الكأس إلا أن ضحك بوجه بشوش مشيرا إلى أن نصائح المعلم دائما للاعبى مصر هى الابتعاد عن استفزاز الجزائريين، وظل الكأس يدس السم فى العسل لماجر ويصف له أخطاء لاعبى الجزائر الفنية التى كان منها خروج شاوشى لملاقاة محمد عبد الشافى دون أن يسد الزاوية الضيقة وهى من بديهيات تخصص حارس المرمى، كما استطاع الكأس أن ينتزع من ماجر اعترافات كاملة بأخطاء الحارس واللاعبين بجملة واحدة "أنت يا كابتن ماجر كنت لاعبا متميزا وياما أديت تلك اللعبات بشكل أكثر من رائع"، وهو ما كان يمتص غضب ماجر ويشعره بذاته، فيضطر بعدها لتفنيد الأخطاء الجزائرية وما كان يجب فعله فى كل لعبة، وبدا الكأس أنه يلعب فى أستوديو "العربية" بنفس طريقة لعب المنتخب المصرى فى النصف الأخير من تلك المباراة التاريخية، وهى طريقة سحب الخصم وجذبه لمنتصف الملعب حتى تخلو منطقة الجزاء من المدافعين ثم يتم شن هجوم نحو المرمى، وهو نفس ما فعله الكأس مع ماجر، لدرجة أن مذيعة البرنامج امتدحت الكأس فى أكثر من موقع بأنه قادر على تسديد الأهداف فى مرمى خصمه تماما مثل فريقه، وحتى حينما برر ماجر الهزيمة بطرد اللاعبين رد عليه الكأس بأن مهمة المدرب هى أن يؤهل فريقه لكل تلك المواقف المفاجئة وأن طرد هؤلاء اللاعبين ليس مشكلة فى حالة وجود مدرب قوى وفريق متزن ودلل على ذلك بفريق كوت دى فوار الذى استطاع أن يصمد فى مباراته أمام الجزائر رغم طرد لاعب منه ورغم هذا لم يدخل فى مرماه كل هذا الكم من الأهداف.. باختصار استطاع احمد الكأس أن يقدم نموذجا رفيع المستوى للمحلل الرياضى المصرى القادر على مناظرة خصمه بالحجة والبرهان طوال أيام تلك البطولة، خاصة وأنه بدا طوال الوقت هادئا دمث الأخلاق سمِح الوجه، وأعتقد أن تلك هى المعادلة التى تمكنت قناة العربية من تحقيقها خلال تغطيتها لبطولة كأس الأمم الأفريقية هذا العام، فقد ضربت تلك القناة نموذجا متميزا فى التغطية الرياضية المتخصصة، وأزعم أنها فى تغطية مباراة مصر والجزائر تحديدا تفوقت على كل الفضائيات الأخرى حتى على الجزيرة الرياضية نفسها صاحبة حقوق البث؛ ذلك أن كل الفضائيات انشغلت بمتابعة ردود الأفعال فى العواصم العربية والأوروبية، بينما كان للعربية السبق فى عمل تحليل فنى أكثر من رائع لتلك المباراة بعد انتهائها مباشرة، وعرض كل الكرات التى انتهت بأهداف والكرات التى كانت نقاط ضعف فى فريق الجزائر، بهدف الوصول إلى تبرير واضح من رابح ماجر، فى حين كان الكأس له بالمرصاد، وهذا هو ما جعلنى أتذكر مسرحية الماغوط، وأقول إن أحمد الكاس هو كأس هذا الوطن، فهو لا يقل روعة عن كأس إفريقيا الذى عاد به لاعبونا منذ أيام، فأحمد الكأس كان خير مثال لمصرى يتحدث باسم بلاده فى كل محفل.. هنيئا لك يا وطنى بالكأس الإنسان وكأس إفريقيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة