واجه المجلس القومى للأجور فى الأسبوع الماضى مأزقاً بالتزامه بتصريح غير موضوعى لإرضاء القيادة السياسية وإقناعها بأن هناك طائلا من وراء استمرار قيام هذا المجلس بواجباته "التى لم تحقق أى نتائج إيجابية"، فالمجلس القومى للأجور ليس له مكان ولا مجال ولا دور فى ظل الظروف القائمة فى مصر حالياً، إلا دور المحلل لقرارات خاطئة لاتسمن ولا تغنى من جوع.
فالمشكلة المالية الاقتصادية العالمية التى لا ترحم قد أثرت بالقطع على المستوى الاقتصادى والاجتماعى للشعب المصرى، ومع الأسف، جميع رجال الأعمال المستفيدين من انضمامهم للحزب الوطنى ولجنة السياسات ومجلس الشورى أو مجلس الشعب، لم يتحركوا لمساندة هذا الشعب، كل منهم يبكى على ليلاه، أو يغنى على ليلاه، ومن يبكى على ليلاه هو من لم يجد نصيب فى كعكة أراضى مصر المستباحة للنهب والسرقة، ومن يغنى على ليلاه هو من استفاد بملايين الأمتار والأفدنة بطرق ملتوية أو طرق غامضة لا يمكن كشفها إلا إذا جاء يوم يطبق فيه قانون "من أين لك هذا؟"، وعندها ستظهر المفاجآت التى تؤكد أن معظمهم قد حقق ثروات طائلة تزيد فى قدرها على ثروة قارون فى وقت لا يتعدى عشر سنوات من سنة 2000 وحتى 2010، لا يمكن تحقيقها من أى تجارة أو صناعة مشروعة بينما صناعته أو نشاطه التجارى لا يستطيع تحقيق معشار ما يملك الآن.
وبالرغم من ذلك لم يتحرك أحد هؤلاء فى اتجاه مساعدة الشعب المصرى ولو بالقدر القليل لمعاونته على تجاوز أزمته بعد الانهيارات التى حدثت وتحدث فى مرافق كثيرة، وأثرت على الشعب المصرى كله، غير مجموعة (عامر) التى قامت بتخصيص 30% من رأسمالها كوقف لفقراء مصر، لإقامة مشروعات تساعدهم على مواجهة الأزمات الحالية والمستقبلية، ولم نسمع عن رجل أعمال آخر تأخذه الشجاعة والكرامة فيبادر بالانضمام إلى مجموعة عامر.
ومع ذلك، مازالت الحكومة المصرية تتخبط فى عقد اجتماعات لما يسمى بالمجلس القومى للأجور، وهو مجلس ليس لديه من الآليات ولا الإمكانيات إلا ما يجعله يصدر التوصيات غير المفيدة، وهذه التوصيات لا تسمن ولا تغنى من جوع، وهذا يدل على أن المجلس المذكور يعيش فى وادٍ وشعب مصر كله يعيش فى وادٍ آخر، فيصدر قرارات وتوصيات ليس لها قيمة ولكنها قد تضر أكثر مما تنفع، والدليل على ذلك ما أصدره المجلس أخيرا من توصيات جاءت فى "المصرى اليوم" حدد فيها المجلس القومى للأجور العلاوة السنوية للعاملين فى القطاع الخاص بنسبة ٧٪ على «الأقل»!، وشدد الوزير على ضرورة التزام منشآت القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور، المماثل للأجر فى الجهاز الحكومى.
والغريب هو صدور هذا بالرغم من الاختلاف الكبير بين "ظروف العمل وظروف التمويل والإنتاج" بين كل من القطاع الخاص والحكومة، فالحكومة ديونها "متلتلة"، وعجز الموازنة لا يحتمل، والحكومة مع ذلك تجد التمويل بالعجز عندما تشاء، والجهاز الحكومى يقوم فقط بالخدمات وقد تكون خدمات رديئة أو جيدة بدون أى مقياس، ولديه موارد مالية لاتنضب على حساب الشعب، بينما القطاع الخاص لابد أن ينتج سلع وخدمات ويحصل على التمويل عن طريق بيعها فقط، ذلك بأسعار تتضمن تكلفتها التى تحتوى على المزايا التى يحصل عليها العمال، وليس لديه موارد غير ما يحصل عليها من إنتاجه أو قيمة خدماته، وتحكمه المنافسه الحرة ونظام السوق، وهو بالتالى مطالب بأن يحق معادلة اقتصادية أحد أطرافها المدخلات ومن ضمن بنودها الأجور والعلاوات والطرف الآخر يتضمن كمية الإنتاج وجودته.
والقطاع الخاص الحر الشفاف ليس له مصادر تمويل مطلقة ومرنة مثل الحكومة، فكيف يربط مجلس الأجور العلاوة السنوية للعاملين بالحكومة بالعلاوة السنوية للعاملين بالقطاع الخاص الذى لايملك أى مرونة فى التمويل إذ انخفضت إنتاجية العمالة فيه عن حجم الأجور؟.
فالمعادلة الإنتاجية يجب أن تضمن أن يعادل مرتب العامل على الأقل ما ينتجه من خدمات أو سلع، فليس من المعقول إذا كان هناك عامل لا يستطيع إنتاج ما يعادل ما يتقاضاه، أن يتحمل المشروع الخاص فرق الخسائر الناتجة عن تشغيل هذا العامل، فإذا حدد المركز القومى للأجور أجر العامل أو العلاوة بدون النظر إلى إنتاجيته، فهل سيقوم هذا المجلس بتعويض المشروعات الخاصة فى حالة إنتاج عمالها إنتاجا يقل عن المرتبات والعلاوات السنوية؟ بالقطع لا!، فكيف يحدد المجلس الأعلى للأجور العلاوة السنوية للعامل بنسبة 7% على الأقل؟، بدون النظر إلى إنتاجيته ومستوى أدائه هذا من جهة.
ومن جهة أخرى على أى أساس تم تحديد نسبة 7% كعلاوة سنوية فى حين أن أسعار السلع الضرورية ترتفع بجنون ولا يمكن أن يكون كافياً لمواجهتها نسبة 7% ولا 17% ولا حتى 70%، فهل بحث المجلس الأعلى للأجور اتجاهات أسعار السوق وهل هناك لديه مؤشرات علمية يمكن الاعتماد عليها فى الوقت الحالى للتنبؤ بالأسعار لسنة قادمة على الأقل؟، إن العلاوة إذا كانت حوالى 7% فمن يضمن أن الأسعار لن تقفز إلى نسبة أعلى بطرق غير محتملة ونسب غير متوقعة.
إذن المجلس الأعلى للأجور لم يأخذ فى الاعتبار إنتاجية العامل، ولم يدرس طبيعة الأنشطة الاقتصادية المختلفة وهل هى تحقق أرباحا يمكن أن تغطى الزيادة المطلوبة كعلاوة أم لا، ومدى تأثر نشاط الشركة بزيادة إجبارية للأجور بدون زيادة إنتاج تواجهها، وأيضاً لم يدرس اتجاهات الأسعار بالنسبة على الأقل للسلع الضرورية التى ارتفعت قيمها فى الفترة الأخيرة بأكثر من 30%.
فمن أين كان منطق ومصدر تقرير الزيادة بنسبة 7% على الأقل؟؟؟.
إن بعض القرارات الحكومية والجهات التى تصدرها لابد لها من إعادة مراجعة وتقييم وتطوير وتوفير بيانات علمية كافية لاتخاذ قرارات تساعد المجتمع على النجاح.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة