شاهدت اليوم فيلما عن عالم الحيوان أصابنى بالذهول وحالة من التفكر والتشوش فى نفس الوقت.. كان المشهد عبارة عن مجموعة كبيرة من الأسود الجائعة هاجمت ثورا أفريقياً شاء حظه العاثر أنه كان يبعد عن القطيع مسافة كبيرة وطرحته أرضا وانقضت عليه، كل يغرز فيه أنيابه وعلا صوت خوار الثور من الألم مستغيثا وهو مستسلم لمصيره المحتوم ولكن تظهر مفاجأة لايتوقعها أحد.. فعلى مرمى البصر تبدو مجموعة كبيرة من الثيران تهرول مسرعة وكأنها تلبى النداء تهب لنجدة زميلها المغدور به وتهاجم الأسود بضراوة وبأس لتطردها الواحد تلو الآخر حتى تبعدهم جميعاً ويفرون من أمامها مذعورين والثور الجريح مطروح أرضا لايقوى على النهوض وبعد جهد جهيد يقوم وينضم وهو يجر نفسه وجراحه جرا وكأنه لايريد أن يخذل من بذلوا كل هذا الجهد من أجله لينضم إلى القطيع والأسود الهاربة تنظر فى حسرة على الغنيمة والفريسة الضائعة!!!
يا الله ماهذا الذى شاهدت لقد جعلنى أعيد التفكير فى أشياء كثيرة وأسال نفسى سؤالا ألح على إلحاحا لايريد المغادرة !!! هل الإنسان حقا هو أعقل الكائنات وهل هو من يملك مانطلق عليه المشاعر الإنسانية التى تجعله يعلو على غيره من المخلوقات؟ الإجابة كانت بائسة وأنا أتذكر كيف أننا نشاهد إخواننا الضعفاء هنا وهناك تنقض عليهم الضوارى من البشر تفترسهم بلا هوادة.. تقتلهم.. تشردهم.. تطردهم من بيوتهم ونحن نتفرج عليهم.. البعض غير مبال والبعض يفلسف المواقف والبعض متأثرا يزرف الدموع.. وآخرون يهتفون بالروح بالدم نفديكم وفى النهاية لاروح فديت ولادم أريق ولم تمتد لهم يدا تذود عنهم أو تدفع عنهم وحوش البشر التى ابتلوا بهم وتركوا لمصيرهم المحتوم!
تذكرت مشاهد مقاتلى طالبان الذين استسلموا مصدقين وعود الذئاب أن من يستسلم سيعامل معاملة كريمة.. أتذكر مشهد تعبئتهم كالحيوانات فى حاويات مغلقه ليموت الكثير منهم مختنقين ثم إطلاق النارعلى من بقى منهم ورميهم بعد ذلك فى الصحراء لتأكل جثثهم الضوارى من الطيور والحيوانات.. تذكرت مشهد الأطفال والشباب والشيوخ والمبانى تنقض عليهم فى قانا وغزة وجثثهم وهم يخرجونها من تحت الأنقاض.. تذكرت الآلاف من الجثث والأشلاء فى العراق.. تذكرت الآلاف من الذين صهروا فى الفلوجة وذابت جثثهم من مواد لايعرف عنها أحد شيئا.. تذكرت صور ومشاهد سجن أبو غريب.. تذكرت صور المئات من الجثث الطافية عندما غرقت بهم عبارة السلام.. تذكرت صور الآباء والأمهات والأبناء الثكالى وهم يذرفون الدموع الساخنة على أحبائهم!!!
يا الله.. ألم يصل مستوى إدراكنا لمستوى الجواميس التى يثيرها الاعتداء على إخوانها وتجعلها تهب لنجدتهم والوقوف بجانبهم والذود عنهم بضراوة.. هل الجواميس تملك هذه الإرادة وروح مقاومة أعدائها ونحن لانمتلكها هل الجواميس أدركت أن فى الاتحاد قوة ونحن حتى الآن لاستطيع أن ندركها هل أصابنا العمى وتبلد الأحاسيس وضياع البصيرة هل لم نتعلم الدرس الذى تعلمه الجاموس فى الدفاع عن بقائه وأنه سيؤكل يوم يترك إخوانه يؤكلون وأن بقائه على قيد الحياة مرتبط ببقاء إخوانه وأن عدوهم مهما امتلك من قوة لا يستطيع أن يجابههم مجتمعين.. يلح على بشدة، تذكرت أغنية كانت تقول ( تعالوا شوفوا يا بهايم ايه اللى عمله البنى أدمين !!!) حقا إن البهائم مدعوة لتتفرج علينا وتتندر وتضحك على ماوصلنا إليه من حال وهوان وتفريط.. ولنا الله.. اللهم إننا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين.
* طبيب بشرى - السعودية
