فى مصر نظام علاج غير معروف أو مسبوق، اسمه العلاج على نفقة الدولة، الغرض الأساسى منه علاج غير القادرين على من المال العام، وهو من حيث الشكل يعد تطبيقا واقيعا لنص فى الدستور يؤكد على الحق فى العلاج، لكن من حيث المضمون يبدو بعيدا كل البعد عن هذا الهدف، فالحق للعلاج على نفقة الدولة يمر عبر الواسطة أولا، ثم يصل إلى القادرين ثانيا.
وحسب المسئول الأول فى وزارة الصحة عن العلاج على نفقة الدولة الدكتور محمد عابدين رئيس المجالس الطبية المتخصصة تم إنفاق ثلاثة مليارات جنيه عام 2009 على هذا الموضوع، لكن أرقاما أخرى من الوزارة تقول إن إجمالى ما تم إنفاقه لا يتعدى مليارى جنيه، منها مليار و200 مليون جنيه ديون على وزارة الصحة معظمها للمستشفيات الجامعية!
وبعيدا عن تناقض الأرقام وتضاربها، ثمة مشكلة أخرى طفت على السطح هذه الأيام، وهى التسهيلات التى كانت تقدمها الوزارة لأعضاء مجلس الشعب للحصول على قرارات علاج للمواطنين فى دوائرهم الانتخابية، وثمة تقارير عدة عن أن بعض النواب أثروا من بيع هذه التقارير واستغلوها فى تكديس ثروات ضخمة، مما دعا وزارة الصحة لإغلاق هذا الباب، ومحاولة تقنينه مثل النص على عدد محدد من قرارات العلاج ووضع حد أقصى لها من حيث العدد والتكلفة منعا للمتاجرة بها.
وثمة مشكلة أخرى وهى أن المستشفيات التعليمية الجامعية مثل القصر العينى الفرنساوى وعين شمس التخصصى ترفض قبول المرضى الذين يعالجون على نفقة الدولة، وتشترط سداد وزارة الصحة للمديونيات السابقة قبل بدء علاج مواطنين آخرين.
ومن خلال هذه المشاكل يتضح أننا لسنا أمام نظام واضح وصارم لعلاج المحتاجين على نفقة الدولة، وإنما أمام مهزلة كبرى أو إذا شئنا الدقة نحن أمام المهازل، فالنظام لا يطبق على الجميع بشكل متساو، ويبدو أن الكثير من الأموال العامة المخصصة لهذا المشروع تذهب فعليا لمن لا يستحقها، بينما من لا يقدرون على العلاج ليس أمامهم سوى محطات التليفزيون والصحف لنشر حالاتهم لعل بعض الناس يتبرعون ويتحملون تكلفة العلاج الصعب والمرير.
وإذا اعترفنا بفشل هذا النظام فإن الحل ـ من وجهة نظرى ـ ليس فى محاولة إصلاح هذا النظام المهترئ، وإنما فى البحث عن تأمين صحى حقيقى وعادل يتسع لجميع المواطنين دون استثناء، بما فى ذلك الفئات الأكثر فقرا، ومنها على سبيل المثال نحو ثلاثة ملايين أسرة تستحق معاش الضامن الاجتماعى، فى هذه الحالة لا يجب إعفاء تلك الأسر من اشتراك التأمين الصحى، وإنما أن تسدده وزارة التضامن للتأمين الصحى.
وإذا كان الحق فى العلاج نص من نصوص الدستور التى يجب احترامها، فإن المساواة فى العلاج، يجب أن يكون هو شعار التأمين الصحى الجديد، لأنه ليس منطقيا أن يسافر من يملكون المال للعلاج على نفقة الدولة بالخارج، بينما الفقراء يموتون على أبواب وزارة الصحة للحصول على قرار علاج على نفقة الدولة فى أحد المستشفيات الحكومية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة