>> الدولة سمحت لرجل يتهمه 47 نائبا بالفساد طبقا لمستندات رسمية وتقول تقارير الرقابة الإدارية إنه تلقى أكثر من 20 مليون جنيه رشاوى بالسفر.. بينما منعت نشطاء سياسيين ورجال أعمال أصحاب سمعة طيبة بسبب شائعات الهرب من البنوك
>> نشطاء سياسيون وعاملون فى مجال حقوق الإنسان على قوائم الممنوعين من السفر بلاسبب
>> منعوا بهجت من السفر لإجراء الجراحة بحجة ديون البنوك رغم أن لكح وعشرات غيره هربوا بمليارات أكثر
ليس للقانون كرامة فى هذا البلد، وربما يكون الكلام الأصح هو: ليس فى هذا البلد قانون أصلا، وإلا لما كانت الأمور فى مصر تسير أو يتم تسييرها حسب الهوى وحالة الأمزجة الشخصية لناس أنتم تعرفون جيدا مناصبهم وقوتهم فى الدولة، القانون هنا للعزف فقط، أما أمور تنظيم الحكم وإرساء العدالة وإدارة الدولة فلها شىء آخر غير القانون والدستور، ولذلك ففى مصر، ومصر فقط، يمكنك أن تجد الأشياء ونقيضها فى نفس السلة، دون أن تحصل على تبرير أو تفسير يريح لك بالك.. وهل يمكنك أن تفسر مايحدث مع الوزير السابق محمد إبراهيم سليمان؟ وهل يمكنك أن تشرح كيف توجد كل هذه المستندات والأوراق التى تقول بفساد الرجل ومع ذلك يتم تعيينه بقرار حكومى على رأس شركة بترولية كبرى؟
وهل هناك تفسير واحد لتجاهل عشرات الأسئلة وطلبات الإحاطة البرلمانية على مدار السنوات الماضية رغم أنها لم تطلب سوى تحقيق مع الوزير السابق ينفى أو يؤكد صحة تلك المستندات التى تقول إن الوزير السابق باع مصر بالرخيص مقابل عمولات ورشاوى؟ وهل يمكن لأحد من السادة المسئولين أن يبرر لنا بشكل منطقى كيف يسافر المهندس محمد إبراهيم سليمان إلى الخارج وهو فى موضع اتهام وتبحث نيابة الأموال العامة والهيئات الرقابية فى ملفات تتهمه بالفساد واستغلال المنصب والحصول على رشاوى؟ ألم يكن من الأولى منع رجل محاط بكل هذه الشبهات من السفر خوفا من هربه لحين أن تظهر النيابة الحق من الباطل بعد التحقيق معه؟ ألم تكتوِ الدولة بما فيه الكفاية من هؤلاء الذين نهبوا المليارات وهربوا للاستمتاع بها على شواطئ أوروبا؟
إذا كانت الدولة لم تكتوِ بنار تلك الأموال المهربة؟! فنحن اكتوينا واتلسعنا وسيطر الغيظ علينا ونحن نرى أموالنا تهرب إلى الخارج، بينما فقراؤنا ينامون بدون عشاء ولا غطاء، لا أقول إن الوزير السابق هرب إلى الخارج أو يستعد للهرب بالمليارات والملايين التى تتحدث عنها طلبات الإحاطة البرلمانية، فذلك اتهام تنفيه أو تؤكده تحقيقات النيابة، ولكن أتعجب من الكيفية التى يتم بها تسيير الأمور فى مصر، والتى تسمح لرجل يتهمه 47 نائبا برلمانيا بالفساد ويطالبون بمحاكمته، وتقول التحقيقات الأولية إنه تلقى أكثر من 20 مليون جنيه رشاوى مقابل تخصيص أراض لرجال أعمال، بأن يسافر إلى خارج مصر من داخل مطار القاهرة دون أن يعترضه أحد المسئولين أو يسأله إذا كان سيعود أم لا؟
مرة أخرى أنا لا أشكك فى نوايا المهندس محمد إبراهيم سليمان أو نوايا الدولة المصرية التى كان يعمل بها وزيراً منذ سنوات.. المنطق هو الذى يفعل ذلك لأنه ليس معقولاً أن أفتح باب صالة كبار الزوار فى مطار القاهرة على البحرى لرجل فى مثل وضع وزير الإسكان السابق، صحيح أنه أكد عودته من باريس، وصحيح أنه أشار إلى أن سبب السفر عائلى، ولكن الأصح من كل هذا أن شائعات هروبه تملأ الأجواء منذ بداية السنة الجديدة، وتحديداً منذ بدأت الهيئات الرقابية فى فتح ملفه، وبالتالى فإن المنتظر من الدولة كان صدور قرار بمنع الوزير السابق من السفر إلى الخارج لحين الانتهاء من التحقيقات، مثلما يحدث فى العديد من القضايا، لأن عدم حدوث ذلك لا يعنى سوى أمرين، الأول منهما أن الدولة تثق ثقة عمياء فى المهندس محمد إبراهيم سليمان بدليل أنها خالفت القوانين وقامت بتعيينه رئيساً لشركة الخدمات البترولية رغم أنه عضو برلمانى، والقانون يحرم هذا الجمع، أما الأمر الثانى فهو أن الدولة غير مهتمة بمنع محمد إبراهيم سليمان من السفر لأنها على علم بأن القضية ستنتهى كما تحب وكما يحب الوزير السابق، وكلا الأمرين يعنى فى نهاية المطاف أننا أمام قضية «فشنك» سنكتشف فى النهاية أنها ترقد بسلام فى أدراج الحفظ.
أعود إلى مسألة عدم منع محمد إبراهيم سليمان من السفر مرة أخرى، لأنها كما قلت سابقا دليل فج وواضح على أننا نعيش فى دولة تكيل بمكيالين، وقبل أن يقول محلل قانونى ظريف إن الشروط القانونية للمنع من السفر لا تنطبق على حالة الوزير محمد إبراهيم سليمان، فهل يمكن أن يؤكد لنا أن الخمسين ألف مواطن الممنوعين فى السفر من مصر -طبقا لدراسة أعدتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- تنطبق عليهم هذه الشروط؟.. بلاش الخمسين ألف.. هل يمكن أن يخبرنا كيف تنطبق الشروط القانونية للمنع من السفر على العاملين بمنظمات حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين وقيادات الإخوان والمرشد العام للإخوان المسلمين نفسه، بل المرشد السابق الذى تم منعه هو وعدد من القيادات من السفر لأداء فريضة الحج؟ هل تنظر المحاكم قضايا فساد أو قضايا أخلاقية لعصام العريان أو جمال حشمت أو عبدالمنعم أبو الفتوح أو محمد بديع لكى يتم وضعهم على قوائم المنع فى السفر؟
المسألة إذن لا تعتمد على معايير أو أسانيد قانونية، لأنها لو كانت تسير كذلك لكان إبراهيم سليمان أولى من عصام العريان بالمنع من السفر طبقا لما تقوله المادة 41 من الدستور المصرى التى تحدد ثلاثة شروط للمنع من السفر هى: (1 - أن يصدر به أمرٌ قضائىٌّ، 2 - أن تستدعيه ضرورة التحقيق وأمن المجتمع، 3 - أن يصدر الأمر وفقًا للقانون). وأعتقد أن حالة الوزير السابق ابراهيم سليمان ينطبق عليها الشرط الثانى القائل بما تستدعيه ضرورة التحقيق وأمن المجتمع الذى لن يتحمل أن يهرب رجل أخل بفلوسه دون حساب.
وفى الوقت الذى تتجاهل فيه الدولة مسألة منع إبراهيم سليمان من السفر بالحجج القانونية، التى يأتى على رأسها أن نيابة الأموال العامة لم تنته من دراسة تقارير الرقابة الإدارية، نجد نفس الدولة ونفس المسئولين رافضين لتطبيق أحكام القضاء التى حصل عليها عدد كبير من قيادات الإخوان والناشطين السياسين ضد وضعهم على قوائم الممنوعين من السفر، والغريب أيضاً أن الدولة نفسها والمسئولين أنفسهم لم يرحموا رجل الأعمال أحمد بهجت حينما منعوه من السفر سنة 2004 لإجراء جراحة ضرورية فى القلب بحجة ديونه لدى البنوك، والتعثر فى سدادها ورفع الرجل وقتها قضية ضد وزير الداخلية، والنائب العام، المستشار ماهر عبدالواحد أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة لوقف تنفيذ قرار منعه من السفر، ولم ينته الأمر إلا بعد تدخل الرئيس.. رغم أن هذا الإجراء لم يتم مع عشرات رجال الأعمال الذين هربوا بالمليارات أمثال لكح وطلعت والسعد، فهل يعنى كل ذلك أن محمد إبراهيم سليمان خارج نطاق المحاسبة كما يقولون؟ هل يعنى ذلك أنه رجل يطير فوق ردار القوانين التى تسرى على غيره بحسم وسرعة؟.. التأخر فى الاستجابة لنواب البرلمان والبلاغات المقدمة ضده، وعدم رفع الحصانة، كلها مؤشرات تدعم ذلك التوجه القائل بقوة الرجل وحماية الدولة له، ومحمد إبراهيم سليمان نفسه، ومن بعده هيئة الدفاع عنه، يتعمدون تدعيم هذه المؤشرات فى كل تصريحاتهم، وكأنهم يؤكدون أن القضية محسومة قبل أن تبدأ.. فهل تنقذ الدولة نفسها من هذا الفخ وتبدأ فى التعامل مع الوزير السابق بالقدر الذى يليق بالتعامل مع رجل محل شبهات منبعها ليس مجرد كلام على القهوة بل تقارير رسمية لأحد الأجهزة الرقابية التابعة للدولة ؟.. نحن فى الانتظار.
لمعلوماتك...
>> 250 ألف جنيه شهرياً يتقاضاها الدكتور محمد إبراهيم سليمان لتوليه منصب رئيس شركة الخدمات البترولية البحرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة