>> الأقباط يرفضون مقايضة دماء ضحايا نجع حمادى بقانون «معيب» لا يكفى لإزالة الاحتقان الطائفى
كانت نظرة الشك التى تعامل بها الأقباط مع إعلان الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف باستعداد الحكومة لطرح قانون دور العبادة الموحد أمام البرلمان فى دورته القادمة، كفيلة بطرح عدد كبير من الأسئلة حول جدية الحكومة ومدى استعدادها لتقديم هذا القانون، وهل هو جديد بما يكفل تحقيق الهدف منه أم أنه صورة معدلة من قوانين أخرى، وهل هو مراوغة طويلة المدى من الحكومة، أم إنه مجرد مناورة انتخابية؟..تلك الأسئلة وإن بقيت إجاباتها سراً لم تكشف عنه الحكومة، فلن تكون بمنأى عن التوقعات والتكهنات التى تحمل مخاوف المسلمين والأقباط، على حد سواء، من القانون الجديد.
التوقيت الذى اختاره زقزوق لهذا الإعلان، أفقده الكثير من الدعم الذى كان سيلقاه، لأن نسبة كبيرة من الأقباط اعتبرت الحديث عن إنهاء مشكلة بناء الكنائس فى الوقت الذى لم تجف فيه دماء ضحايا ليلة عيد الميلاد بنجع حمادى، اختياراً غير موفق، فللمشكلة أبعاد أخرى، ويعتبر قانون دور العبادة مجرد تفصيلة بداخلها، وهو ما أعطى للقانون صبغة «المراوغة»، بوصفه مجرد مسكنات للاحتقان الطائفى، بل إن بعض الأقباط شكك فى خلو القانون نفسه من العيوب، أو أنه سيكون ذا قيمة حتى وإن خلا منها، حيث يؤكد القمص صليب متى ساويرس كاهن كنيسة مارجرجس وعضو المجلس الملى: «المهم هو تفعيل القانون وليس تمريره، فالمشكلة أن توضع عراقيل أمامه» لذا يطالب ساويرس بأن يكون القانون بلا شروط لأنها تهدد ظهوره وسيظل حبيس الأدراج، على حد قوله.
كاهن مار جرجس أيضاً قال إن المشكلة فى الفكر السائد فى المجتمع، والذى يتطلب على حد قوله «معجزة من أجل إضفاء روح المحبة بين الأقباط والمسلمين حتى لا تحدث احتقانات عند بناء دور عبادة، فالقانون وحده لن يحل مشاكل الأقباط، ولكن أولا لابد أن نغير نظرة المجتمع للأقباط الذين يريدون بناء كنيسة للصلاة فيها»، مضيفاً أن الأقباط لديهم إحساس بأن هناك من يتعمد التحريض والطائفية ضدهم، لذا لا بد من أخذ رأى كل الأطراف قبل وضع القانون.
التجارب السابقة أثبتت أن هناك قائمة من المشاكل تنتظر أى حديث عن قانون لدور العبادة، ففريق يحذر من المواد التى تنطوى على ما يصفه «قنابل موقوتة» تمثل عراقيل وتعقيدات فى تطبيقه، مثلما يتوقع كرم حنا المحامى والحقوقى القبطى، تمرير القانون بسهولة على أن تظهر العقبات عند تنفيذه، مثلما حدث عندما قررت الحكومة منح المحافظين الحق فى الموافقة على بناء كنيسة بدلاً من موافقة رئيس الجمهورية وهو الشرط الذى تحول إلى «كارثة» على حد قوله، مضيفاً أنه أمام المحافظين الآن أكثر من 300 طلب لبناء كنيسة دون استجابة، موضحاً ان ثمة قانونا مقدما منذ 3 سنوات ولم ينظر له، ورغم أنه يحتوى على 14 مادة إلا أنه أيضاً لا يرضى الأقباط.
بينما فريق يرى أن الأمور على ما يرام ولا حاجة لقانون ينظم دور العبادة، وهنا تتجه الأنظار نحو تيار إسلامى بعينه، تقلقه حساسية تقنين بناء الكنائس، لأسباب بعينها كتلك التى ذكرها الشيخ يوسف البدرى بتأكيده أن مصر فى الواقع لا تحتاج إلى قانون دور العبادة الموحد لأن، «على حد قوله» الكنائس فى مصر تتزايد للضعف فى عهد المسلمين، رغم أن الأقباط يقلون ولا يتزايدون حيث وصلت نسبتهم إلى الـ5 % من المجتمع معتبراً من ينادون بهذا القانون «ليسوا أقباط مصر وأنما هم من أقباط المهجر».
وأعتبر دعوة الأقباط لقانون موحد لدور العبادة «استقواء بالخارج» لصالح أقباط مصر فرغم أن العهد والقانون العثمانى كان يمنع بناء الكنائس فى مصر إلا أنه بعد سقوطه وتولى رجال ثورة 23 يوليو الحكم سمح للأقباط ببناء 50 كنيسة، ثم بعد ذلك 50 كنيسة أخرى وهكذا «ولذلك أقول لأقباط المهجر كفوا أيديكم وارفعوها عن مصر».
وطالب البدرى الداعين إلى هذا القانون بعدم التغافل عن أن مصر «دولة إسلامية» وأن ما يدعون به الآن قانون أمريكى يطبق هناك، وبالتالى لايصح تطبيق قانون عبادة أمريكى على بلد مسلم، «فنحن نرفض أن نقع تحت سلطان أحد، وأن الديمقراطية التى ينادون بها هى أننا نحب مصر، لأننا نرفض تنفيذ ما يملونه علينا»، واصفاً تصريحات زقزوق الخاصة بإعلانه عرض القانون خلال الدورة القادمة بأنها مجرد «مجاملة للأقباط»، محذراً من تمرير القانون بعد منع الناس من الادلاء بآرائهم بصراحة، فيما يتعلق بمخاوفهم من أن تشوبه الشوائب، مضيفا أن هذه التصريحات ضد قانون دور البناء الموحد لا تعنى انتقاصاً من حقوق الاقباط المصريين فى بناء دور عبادة لهم لانهم «فى العين وفوق الرأس ولكنهم لا يحتاجون لها» حسب قوله.
وإذا كان رأى البدرى يمثل المعارضة الفكرية لقانون دور العبادة الموحد فإن ثمة معارضة إجرائية تنتظر القانون، حال مناقشته خلال الدورة القادمة، فلدينا فى البرلمان الحالى 86 نائباً إخوانياً يشكلون جبهة معارضة للقانون، وقد يزيدون أو ينقصون ولكن الثابت أنهم يرفضونه، وربما ينضم اليهم نواب مستقلون، يرفضون مبدأ إقرار القانون بضغط خارجى ولو لم يكن مباشراً، لاسيما أن لجنة الحريات التى كشف لها زقزوق عن القانون تجد معارضة أكثر شراسة من قبل هؤلاء النواب، كما أن القانون أيضا سيكون مرهونا بموافقة الجهات الدينية مثل الأزهر والكنيسة ولا أحد يعلم حينها ماذا ستكون تحفظات هذه الجهات.
و قد توقع زقزوق كثيرا من هذه المخاوف والأسئلة، فكان تصريحه التالى شبه حاسم فى قوله إن مصر لا تعرف الدولة الدينية، فهى حسب قوله «دولة مدنية» الدستور فيها كفيل بالمساواة بين أبناء الشعب، بل وعرج أيضاً على أنها بلد ذات تاريخ معروف فى التعددية الدينية ليقطع بذلك شوطاً كبيرا فى إنهاء حجة البعض فى التذرع بأن مصر «دولة إسلامية» كما قال يوسف البدرى، وكما هو متوقع من آخرين عند مناقشة المشروع.
لكن ردود الفعل حول إعلان زقزوق عن مناقشة القانون لم تخل من بعض الآراء المتفائلة، حيث يتمنى القس رفعت فكرى راعى كنيسة أرض شريف الإنجيلية بشبرا أن يتم تمرير مشروع القانون لأنه يعد، من وجهة نظره، جزءا رئيسيا من أسباب الاحتقانات الطائفية التى تقع، بل وزاد فكرى فى التفاؤل بقوله «إن ماقاله الدكتور زقزوق وزير الأوقاف ليس هدفه الانتخابات التى ستجرى الفترة القادمة، فالحاجة والطلب المستمر لإيجاد صيغة قانونية تنظم عملية بناء دور العبادة هى السبب وراء تصريحات الوزير، مؤكداً أن أى تحرُك يقود إلى إقرار قانون دور العبادة الموَحد، وغيره من المطالب العادلة للأقباط يعد «مطلباً جماعياً للأقباط».
لملعلوماتك...
>> 25 أعطيت للمحافظين سلطة الموافقة على ترميم الكنائس