الانتصار جميل.. والأجمل منه النزاهة.. وعندما عمت الفرحة أرجاء مصر بفضل الإنجاز غير المسبوق للمنتخب الوطنى، فإن العادة دائماً فى مجتمعاتنا التى تتحسس طريقها لإكمال نواقصها أن تطغى الفرحة وتستفحل وتدفن معها النواقص فلا تراها أو تتذكرها رغم أنها كانت ملء العين والعقل قبل أن ترحل مع مواكب الاحتفالات.. ولو اكتمل الانتصار بالنزاهة لكانت فرحتنا نموذجية وأخاذة فى جمالها وحلقة وصل بين إنجاز الحاضر والإنجاز المرتقب فى المستقبل.
ربما تبدو هذه الكلمات مثل الحفر والمطبات التى تصادفها سيارة فى شوارع القاهرة تريد أن تسير بارتياح ولا تستطيع.. وأنا لا أريد أن أحفر لاحتفالات الفوز بكأس الأمم الأفريقية ولا أضع لها المطبات الصناعية.. لكن أريد أن يفرح الناس بالأصول لنتعود أن نفصل بين حقوقنا وواجباتنا وأن يذهب التقدير والعرفان إلى مستحقيه.
وبما أننا حذرنا ونبهنا قبل كأس الأمم الأفريقية إلى ضرورة الفصل بين ما يحققه المنتخب من إنجازات وبين ما يقدمه اتحاد الكرة من معوقات ضد اللعبة بتنويعاتها المختلفة.. وركزنا على أن المنتخب الأول له خصوصية يستحيل معها أن يكون مقياساً لنجاح الاتحاد الذى فشل معه كل منتخبات المراحل السنية الأخرى.. فإن من واجبنا الآن أن نذكر الجهات المسئولة بواجبها تجاه فرض النزاهة على الاتحاد ليكون منزهاً عن الأخطاء والخطايا والمخالفات التى عرف بعضها طريق النائب العام.. هذه الجهات كانت فى حالة استنفار للتدخل قبل كأس الأمم ولا أعتقد أنها تحتفظ حالياً بنفس حالة الاستنفار لتبقى الأخطاء مدفونة ومختفية إلى حين خروجها مرة أخرى إلى النور فيعود الحديث عن الإصلاح بعد فوات الأوان.
وحتى لو أراد اتحاد الكرة أن يكون نزيهاً فى المستقبل يجب أيضاً أن نحاسبه على عدم النزاهة فى الماضى إذا كان نشاطه يتعلق بمخالفات وإضراربالصالح العام.. ولو أراد أن يتوب فيجب أن تكون توبة نظيفة ونصوحة.. وأعرف أن المجلس القومى للرياضة كان فى سبيله إلى فتح ملفات إضافية عن حالات فساد أجلها إلى ما بعد كأس الأمم.. الآن نرى رئيسه المهندس حسن صقر يشيد بشجاعة اتحاد الكرة الذى قاد المنتخب إلى الإنجازات غير المسبوقة، رغم علمه أن المنتخب ترعاه جهات أكبر من الاتحاد وأن من حسن حظه أن جهازه الفنى ظل أقوى من مجلس إدارة الاتحاد وسيد قراره فى كل شئونه.
ومن المفارقات الغريبة، أن يروج البعض علناً لاستثناء سمير زاهر من بند الـ8 سنوات ليظل رئيساً للاتحاد دورة جديدة، بينما تم حظر الاستثناءات لقيادات أخرى أكثر قوة.. وربما تكون البوابة التى يريد بها الاتحاد دخول دائرة الاستثناء هى العلاقة الخاصة التى تحكم الاتحادات الوطنية مع الفيفا.. وبصرف النظر عن الجدل حول هذا الوضع المعقد والعلاقة المتشابكة بين اتحاد الكرة من جهة والجهة الإدارية والفيفا من جهة أخرى، فإن قضايا الفساد أكثر خطراً من عقوبات الفيفا وهناك أبواب كثيرة تستطيع بها الدولة أن تفتح أمام إدارة الاتحاد الطريق إلى الرحيل.
وتمتد المفارقات إلى ما تردد عن الشكوى التى تقدم بها مجدى عبد الغنى إلى الفيفا وضد ما وصفه بالتدخل الحكومى.. والعجيب أن الشكوى تضمنت اتهاماً مباشراً لحسن صقر بالتدخل فى شئون الجبلاية واللعبة فى نفس الوقت الذى تجمع بين الطرفين علاقة جيدة لدرجة أن مسئولين بالمجلس القومى لم يصدقوا وجود هذه الشكوى من الأصل.
وفى حديثنا عن النزاهة.. تصدمنا مفارقة أخرى بطلها محمد ناجى "جدو" نجم الاتحاد السكندرى والمنتخب الوطنى الذى اعتبره الكثيرون الخليفة الشرعى للنجم الأسطورى محمد أبوتريكة.. وهو من الوهلة الأولى عند النظر إلى ملامحه يعطينا هذا الانطباع.. لكن المفارقة أن يرى البعض بأعينهم العقود التى وقعها مع الزمالك ثم نسمع بأذاننا من جدو أنه لم يوقع.. ولن يستطيع الزمالك أن يعترف بالعقود التى بحوزته وإلا تعرض للعقوبة.. وأيضاً لن نستطيع أن نعتمد جدو خليفة لأبو تريكة، إلا إذا ثبت أن الزمالك لا يملك عقوداً.. فالأمر يرتبط بأخلاقيات هى التى دعمت كفاءة أبو تريكة الفنية وجعلته أسطورة.
ومن النزاهة أن نجزل العطاء للمنتخب الوطنى تقديراً لإنجازه لكن فى حدود اللوائح.. ولا يصح إنسانياًَ ولا أخلاقياً أن يدخل رجال الأعمال فى سباق للتبرع للاعبى المنتخب وهم لا يحتاجون إلى ذلك بينما يحتاج الفقراء والمرضى وضحايا الكوارث الطبيعية كل جنيه يخرج من جيب رجل أعمال يحب مصر ولا يحب الدعاية من فوق ظهر المنتخب.. فنحن لا نسمع فى ألمانيا أو إيطاليا أو أى دولة كبيرة عن رجال أعمال يتبرعون للاعبى منتخباتها بعد كل إنجاز كبير.. فالمكافآت تكون واضحة ومحددة حتى قبل البطولة وتنشرها الصحف.. وبعد ذلك يبقى الباب مفتوحاً لأى نوع آخر من التكريم الأدبى والشعبى.. أرجوكم اهتموا بالنزاهة والعدالة والشفافية لتكون فرحتنا مكتملة.. بدلاً من بجاحة الإعلان عن تبرعات الشفقة والأموال التى أغدقوا بها على "جدو".
إبراهيم ربيع يكتب: جدو وأبو تريكة.. بين الانتصار الجميل والنزاهة الأجمل
الخميس، 04 فبراير 2010 05:00 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة