فى نفس اليوم الذى فازت فيه مصر بكأس الأمم الأفريقية، ربحت فرنسا بطولة أوروبا فى كرة اليد، وكما استقبل الفريق المصرى استقبالا حافلا فى القاهرة، حظى الفريق الفرنسى باستقبال حافل أيضا، وإن كان أقل من حيث الاهتمام، لكن الفريق الفرنسى لكرة القدم الذى حل ثانيا فى كأس العالم بألمانيا عام 2006 عاد من مطار شارل ديجول إلى قصر الإليزيه ليستقبله الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك.
ومن سبق له الحياة فى أوروبا أوحتى تابع على التلفزيون، ففوز فريق ببطولة الدورى المحلى أو دورى أبطال أوروبا، تعقبه احتفالات يشارك فيها كل سكان المدينة التى يوجد بها النادى الفائز باللقب المحلى أو القارى، الفارق الوحيد بيننا وبينهم أنه لا يسعى أحد لتحويل انتصار فى كرة القدم إلى حدث عام يستفيد منه سياسيا، أو تعقد ندوات وتبدأ برامج تليفزيونية فى السؤال: كيف نستفيد من هذا الفوز، ومن مشاعر الجماهير فى تحويلها إلى عمل إيجابى لصالح الوطن؟!
الرياضة.. رياضة.. وكرة القدم لا تحتمل أكثر من كونها لعبة يعشقها ويتابعها معظم البشر، البعض تعنى عنده نوعا من الانتماء للنادى، والبعض تظهر لديه الانتماء الذى يظن أنه غير موجود للوطن، والفرحة هى الفرحة، حتى ولو اختلفت لغات الفرحين والمحتفلين، أو اختلفت جنسياتهم وثقافاتهم.
وما ينقصنا نحن فى هذا الإطار هو التعامل مع الأحداث الرياضية فى حدودها وعدم تحميلها أكثر مما تحتمل، فأنا أشجع النادى الأهلى وأتمنى فوزه فى كل البطولات التى يشارك فيها، وأفرح بلا شك مع كل انتصار أو لقب يحققه، لكن تكرار إنجازات النادى على الصعيد الوطنى والقارى لا تعنى أكثر من بطولات رياضية تدخل خزانة النادى، وتسجل فى التاريخ الذى لا يتذكر سوى الأرقام والإنجازات فقط.
وقد فرحت مصر كما لم تفرح بفوز فريقها بكأس الأمم الأفريقية وتحقيقه أرقاما غير مسبوقة يصعب تكرارها، وسهر الناس يحتفلون حتى ساعات الصباح الأولى، لكن فى اليوم التالى عاد الموظفون إلى مكاتبهم، والفلاحون إلى حقولهم، والعمال خلف ماكيناتهم.. ودخلت كل هذه الإنجازات التى تحققت فى أنجولا إلى دولاب التاريخ المصرى العريق.
ويخطئ كل الخطأ من يتصور أن بطولة رياضية، أو إنجازا كرويا قاريا يحسب لنظام سياسى أو حكومة، أو حزب، وإنما هو نتاج جهد لاعبين، ومسابقة محلية قوية، تفرز لاعبين مميزين، وجهاز إدارى وفنى على أعلى مستوى، وعمل جماعى رياضى وطبى مميز.. لذلك على السادة السياسيين الامتناع عن سرقة هذا الإنجاز ومحاولة استغلاله، فى نفس الوقت الذى يجب فيه على علماء الاجتماع وعلم النفس التوقف عن تحليل سلوك الجماهير، وطرق الفرحة والبحث عن أسباب نفسية وفلسفية، كما على المعارضين السياسيين أيضا التوقف عن الكلام الدائم الذى يرددونه حول أن الفرحة المصرية هى نتاج إحباط داخلى ومحاولة للتغلب على الظروف الحياتية الصعبة.. اتركوا الناس يفرحون دون فلسفة، فهذه كرة القدم مستديرة.. ولا علاقة لها بكلام المثقفين والسياسيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة