ماهو موقفك، إذا استوقفتك، وقلت لك: لاتأكل التفاح، لأن التفاحة ترمز إلى الخطيئة وقلت لك: لا تقتنى الأرانب، لأنها ترمز إلى الخبث، والسرّية؟
وبينما أنا أواصل اكتشافاتى الرمزية السلبية فى الخليقة، أراك ترمقنى بارتياب، ثم تتركنى، وتمضى.
ولكنى أُذكّرك أننا نعيش فى مجتمع يمارس فعلياً هذه اللعبة، التى لها دعاة، ولها مؤمنين !
وما أصحاب اليمين إلا نموذجاً للذين يخلطون الرمز بالمرموز إليه، ويقولون لك إن الأديان تقدس اليمين، وتعتبره رمز الحق، والصواب، والخير.. وتنبذ اليسار، وتصفه بالضلال، والباطل، والشر .. ألا نجد ذلك صراحة فى القرآن، فيتحدث عن " أصحاب اليمين " بأنهم أهل الجنة، ثم يتحدث عن "أصحاب الشمال" وهم أهل النار ؟!...
وألا نجد فى الإنجيل، ذلك الملك، الذى يقول للذين عن يمينه: تعالوا يامن باركهم الله، رثوا الملكوت الذى أعده لكم منذ تأسيس العالم، ثم يقول للذين عن شماله: ابتعدوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المخصصة لإبليس وأعوانه؟!...
وهكذا يخلعون على اليمين وعلى اليسار تقوى الناس، أو شرهم، بدلاً من اعتبارهما رمزين للتمييز بين الفرقتين، ومن ثم ينادون اتباعهم بأهمية الأكل باليمين، والتختم باليمين، ودخول الحمام باليمين، حتى أخشى أن يكفّروا كل أيسر إلى أن يتوب، ويثوب، ويرجع، فيكتب بيده اليمنى وأن يرغموا المدربين العسكريين، لكى يشيروا إلى جنودهم، قائلين: يمين.. يمين وليس: شمال.. يمين!، وأن يرفضوا مثلنا الرائع: "اليد لوحدها لا تصفق" إقصائية وتحريم !
ألا يدركون أن الجهة قيمة نسبية، ليست مطلقة أو جوهرية، فالشيء الذى يقع فى جهة اليمين بالنسبة إلىّ يقع فى يسار الشخص الذى يواجهنى، فاليمين واليسار مجرد إشارات لاتجاه نسبى، فلو سألتنى عن عنوان بيتى وقلت لك إنه البيت الأيسر، مثلاً، فهذا لا معنى له أيسر بالنسبة لمن؟، فالأيمن، أو الأيسر، ليس شيئاً معيناً بل مجرد تسمية دلالية، أو جهة نسبية.. ليست جوهرية حتى تُبرّر وصم اليسار بالشر، واليمين بالخير .
فهل نطلق العنان للتفكير المنطقى، وغير المتعصب، ولا نبعد كثيراً عن دماغنا الذى يتألف من نصفين كرويين، فنصفه الأيسر هو النصف المهيمن فى الغالبية العظمى من البشر، حتى فى أولئك الذين يستخدمون اليد اليسرى فى الكتابة، أم سنصرّ على تسليم القياد للنصف الأيمن من أدمغتنا- بدون جلطة- ونصبح بالتالى من "أصحاب اليمين" ؟!...
