يبدأ كل مرة قبل الانتخابات البرلمانية

موسم غسيل سمعة الحزب الوطنى!

الجمعة، 26 فبراير 2010 02:35 ص
موسم غسيل سمعة الحزب الوطنى! إبراهيم سليمان
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄أطاح بتسعة أمناء للحزب فى المحافظات وجاء بأسماء تحظى باحترام وقبول لدى العامة مثل الدكتور هانى الناظر
◄◄ فتح ملفات إبراهيم سليمان وأسقط عضوية هانى سرور وأحال نائب القمار إلى لجنة القيم وحاول مسح كارثة الغول فى نجع حمادى

الحياة فى مصر مواسم.. هكذا ببساطة لكل شىء موسمه المحدد والمعروف سلفا، بحيث يصبح من السهل على كل متابع للشأن المصرى أن يتوقع ما قد يحدث قبل أن يحدث بشهور أو سنوات إن أراد.. أنت تعرف بالضرورة أن الأيام التى تتبع عيد الفطر المبارك هى موسم مقدس للزواج ولا يمكن أن تسير فى شارع من شوارع مصر دون أن تسمع زغرودة الفرح، وتعرف بالضرورة أيضا أن شهور الصيف هى الموسم المقدس لعرض الأفلام العربية، وتعرف أيضا أن شهر رمضان هو موسم الأكل والياميش والمسلسلات، والآن وبعد 5 سنوات من تكرار الأزمة أعتقد أنك أصبحت تعرف بالضرورة أن شهور الشتاء هى موسم أزمة الأنابيب وطوابيرها.. وعلى رأس قائمة تلك المواسم وغيرها يأتى الموسم الأهم فى مصر كلها.. موسم الانتخابات الذى يلد بدوره عددا من المواسم المنسوبة إليه مثل موسم البلطجية وموسم ظهور النواب فى دوائرهم بعد خمس سنوات من الاختباء، وموسم الخطاطين الذى يأكلون عيشا من لافتات الدعاية، وموسم وسائل الإعلام التى تجد ما تنشره وتذيعه طوال العام باستثناء الكوارث إذا حدثت، وموسم الأحزاب التى تظل ديكورية طوال العام وتأتى الانتخابات لتمنح بعض أشخاصها فرصة الظهور السياسى والتليفزيونى. وبالإضافة إلى تلك المواسم التابعة للموسم الانتخابى يبقى الموسم الأهم وهو موسم غسيل سمعة الحزب الوطنى أو موسم استعدادات الحزب الوطنى للانتخابات إذا كنت من محبى التعبيرات الشيك.

تدق أيام الانتخابات على الأبواب من هنا ويبدأ الحزب الوطنى فى التحول كأنه أصبح فجأة الحزب الديمقراطى الأمريكى.. يصاب بحالة من النشاط والدراسات والاستطلاعات، وتتغير ألوان تصريحات الوزراء والمسئولين، ويظهر قيادات الحزب بين الناس مرة أخرى فى ثورة مصغرة تشبه ثورات التصحيح تطير معها رقاب عدد كبير من المسئولين فى الحزب تحت شعار التطهير وإرضاء الناخبين فى المحافظات المختلفة، ويتم الإعلان عن عدد من الإخطاء مع الوعد بتصحيحها، ويتم الإعلان عن محاسبة كام مخطئ، ويتم فتح عدد من الملفات بشكل يصب فى خانة التأكيد على أن الحزب الوطنى الديمقراطى يطهر نفسه ويفتح صفحة مع الجماهير قبل الانتخابات المقبلة، يحدث هذا قبل كل انتخابات ولكنه يبدو واضحا بشكل أكبر فى الأسابيع والشهور التى تسبق الانتخابات البرلمانية والرئاسية التى انضمت لطابور الانتخابات فى مصر منذ عام 2005 الذى شهد أول اختيار لرئيس جمهورية مصرى من بين متعدد.

الأيام التى نعيشها الآن هى مرحلة المنتصف فى موسم غسيل سمعة الحزب الوطنى قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2010 بشقيها التجديد النصفى للشورى والتجديد الكلى لمجلس الشعب، والشهور القريبة السابقة شهدت تنفيذ المرحلة الأولى من محاولات تطهير الحزب الوطنى ونفض غبار السلطة المطلقة والفساد عنه، ومن تلك اللحظة وحتى موعد الانتخابات سيستمر الحزب فى تنفيذ مخططه التنظيفى كما جرت العادة قبل كل انتخابات برلمانية، فمنهج الحزب الوطنى فى غسيل سمعته قبل كل انتخابات برلمانية ثابت ولا يتغير ويتم تنفيذه بدقة وحرفية كل خمس سنوات دون كلل أو ملل من جانب قياداته، صحيح أن مايفعله أحمد عز وقيادات الحزب الوطنى لإتمام مهمة استعدادات الحزب للانتخابات البرلمانية يختلف فى الشكل والتكنيك عما كان يحدث فى زمن كمال الشاذلى والدفعة القديمة، بحيث جعل الأمر يتم بشكل أكثر هدوءا وحرفية وينشر انطباعا عاما لدى الناس بأن الحزب يتطور ويتغير ولكنه يبقى معتمدا على نفس المضمون القديم الذى يقوم فى الأساس على عدة نقاط أهمها الأربع القادمة:
1 - تطبيق نظرية كبش الفداء عن طريق التضحية بعدد من كبار قيادات الحزب صادفت الأمور أنه ارتكب خطأ ما، أو عودة فتح ملفات فساد خاصة بقيادات بارزة فى الحزب تكفلت حصانتهم البرلمانية والحزبية فى إغلاقها ومنع الحديث فيها لسنوات.

2 - إجراء تقييم سريع للقيادات الوسطى فى الحزب خاصة أمناء المحافظات والوحدات الحزبية، مع إعادة النظر والاهتمام فى الشكاوى الورادة ضد عدد من القيادات بحيث ينتهى الأمر بالإطاحة بعدد لا بأس به من أمناء المحافظات والمراكز والوحدات الحزبية بحجة جاهزة هى ضخ دماء جديدة فى الحزب وتهمة أجهز هى تطهير الحزب من الفاسدين والمخطئين.

3 - التركيز على إعادة إظهار السيد الرئيس حسنى مبارك فى صورته الحزبية كزعيم للحزب الوطنى، إما عن طريق نشر أخبار تتعلق بمراجعته للتقارير الحزبية، أو عن طريق توصياته الخاصة بتصحيح بعض المسارات فى الحزب، أو عن طريق مضاعفة عدد المشروعات التى يتم افتتاحها بواسطة الرئيس أو من ينوب عنه من قيادات الحزب.

4 - التركيز على تواجد عدد كبير من قيادات الحزب البارزة وسط المحافل الشعبية سواء التى تتعلق بكوارث مثل السيول أو غيرها، أو تلك التى تتعلق بخطط الحزب لتنظيم قوافل طبية تزور القرى والنجوع، أو مشروعات الحزب لتوظيف كذا ألف شاب، أو زيارات قيادة بارزة بحجم جمال مبارك وأحمد عز للوحدات الحزبية الموجودة فى المحافظات والقرى كنوع من الدعم لمرشحيهم فى تلك الأماكن.

ركز قليلا وعد بذاكرتك إلى الخلف قليلا وتحديدا تلك الشهور التى تسبق الانتخابات الماضية، ستكتشف أن النقاط الأربع السابقة حاضرة وبقوة بجوار عدد من التحركات الأخرى التى يمكن تلخيصها فى زيادة جرعة الأغانى الوطنية على شاشة التليفزيون المصرى، واستضافة أكبر عدد ممكن من مرشحى الوطنى فى محاولة تلميعهم، وتعبئة بعض الصحف القومية من أجل توجيه المزيد من الضربات للمنافسين، بالإضافة إلى نشاط ملحوظ للأجهزة الأمنية ينتهى باعتقال عدد لا بأس به من قيادات جماعة الإخوان المشهور عنهم حسهم التنظيمى وقدرتهم على تعبئة الجماهير، بخلاف تحركات أخرى تنتهى بعقد صفقات مع الأحزاب الموجودة على الساحة يكون ملخصها منح تلك الأحزاب عددا من المقاعد مقابل تكوين جبهة مضادة ضد الإخوان، كل هذه الأمور وغيرها تتم على مراحل وبشكل متواز من أجل هدف واحد هو إعادة تقديم الحزب الوطنى للجمهور فى ثوب أفضل يمكنه من تحقيق نتائج جيدة فى المعركة الانتخابية، ويجعل من الحلول الأمنية وتقفيل الصناديق الانتخابية فى ذيل قائمة ما يمكن الاستعانة بها للحفاظ على الأغلبية داخل البرلمان..

وطبقا للنقاط الأربع والتحركات السابق ذكرها والتى يعتمد عليها الحزب الوطنى كمنهج لغسيل ما تعرض للتشويه من سمعته قبل الموسم الانتخابى، فإن الظروف خدمت قيادات الحزب الوطنى وسهلت من مهمتهم فى غسيل سمعة الحزب بما أهدتهم إياه من كباش فداء جاهزة للذبح الذى يسلب لب الجماهير ويعيد تشكيل موقفهم من الحزب الوطنى، فليس أفضل من إبراهيم سليمان كبش فداء يمكن أن يقدمه الحزب الوطنى للجماهير لإثبات حسن نوايا الحزب، ومنح فرصة لصحف الحكومة للكلام عن حرب الحزب الوطنى ضد الفساد والمفسدين، والتأكيد على أنه لا كبير فى الدولة فوق المحاسبة.

لم يتوقف الحزب الوطنى عند عناده وفتح ملف إبراهيم سليمان بعد سنوات طويلة من الصمت أو إسباغ الحماية على رجله السابق، ولم يقف فى طريق فتوى مجلس الدولة التى طالبت بإسقاط عضويته فى مجلس الشعب، ولم يمنع صحف الحكومة من الهجوم على إبراهيم سليمان ونشر تقارير فساده، ولم يحبط بلاغات وأسئلة النواب عن فساد سليمان وضرورة التحقيق معه، وهى نفس البلاغات التى تم رفضها والتكتيم عليها منذ سنوات.

فتح ملف إبراهيم سليمان الآن وفى ذلك التوقيت بعد كل سنوات الصمت الماضية لا تفسير له سوى أن هناك قرارا باستخدام سليمان ككبش فداء مؤقت، ووسيلة لغسيل سمعة الحزب قبل الانتخابات المقبلة، وهو نفس المنطق الذى يبدو واضحا فى مسألة تحويل نائب الحزب الوطنى ياسر صلاح الذى تم ضبطه فى صالة قمار إلى لجنة القيم مع التشديد على ضرورة فصله، وهو نفس المنطق الذى تم على أساسه إسقاط عضوية هانى سرور فى مجلس الشعب وعدم تسهيل هروبه من القضية ليتم تقديمه ككبش فداء آخر فى سبيل صناعة صورة أفضل للحزب.

ما حدث مع عبدالرحيم الغول النائب الوطنى البارز يدخل أيضا فى إطار حملة الحزب لتطهير صفوفه ونفض غبار الشبهات عن ثوبه قبل الانتخابات القادمة، فبعد ارتباط اسم النائب بحمام الكمونى الذى تم اتهامه فى قضية مذبحة نجع حمادى لم يخرج أحد من الحزب أو صحفى تابع للحكومة ليدافع عن الغول متطوعا أو حتى مدفوعا، بل على العكس تماما أدانت صحف الحكومة عبدالرحمن الغول، وتجاهلت قيادات الحزب الرجل تماما وذهبت فى وفد تحت قيادة أحمد عز لتقديم واجب العزاء فى ضحايا ليلة الميلاد للأنبا كيرلس.

الأمر الثانى الذى نفذه الحزب الوطنى بالتخصص كما يفعل قبل كل انتخابات برلمانية هو إقالة عدد من قيادات الحزب بالمحافظات، وقد شهد هذا الموسم عملية إطاحة قوية بتسعة من أمناء الحزب بالمحافظات، وهى عملية شبيهة بما حدث فى أواخر عام 2004 قبل الانتخابات البرلمانية للعام 2005 حينما تمت الإطاحة بأكثر من 180 عضوا بارزا بالحزب تحت شعار تطهير الحزب من غير الملتزمين، وهو نفس الشعار الذى تم رفعه وقت إقالة أمناء الحزب التسعة، وبالتوازى مع تلك الإقالة لجأ الحزب الوطنى إلى عدد من الأسماء التى تحظى بقبول شعبى مثل الدكتور هانى الناظر أميناً لمحافظة 6 أكتوبر.

بقية خطة غسيل سمعة الحزب الوطنى تتم فى هدوء شديد، ولكنها تبدو واضحة فى الاجتماعات المستمرة وتصريحات قياداته البارزة التى تتحدث عن ضرورة تمرير القوانين الجماهيرية مثل التأمين الصحى والمعاشات والتأمينات، وإعادة طرح مشروعات الحزب الشعبية مثل مشروع الألف قرية ومكافحة الفقر لتبقى تحت الأضواء الإعلامية، والدفع بعدد من قيادات الحزب لتنظيم قوافل لإغاثة متضررى السيول تحت شعار الحزب الوطنى، بالإضافة إلى دفع جمال مبارك لساحة أضواء فوز المنتخب المصرى، والتركيز على زيارات الرئيس المكثفة لمختلف محافظات مصر.

كل ما سبق يجرى تنفيذه بحماس فى محاولة للحصول على سمعة أكثر بياضا للحزب الوطنى تمكنه من القضاء على شبح جماعة الإخوان الذى عشش فى البرلمان طوال السنوات الماضية، وتدفعه لدخول العام القادم عام الانتخابات الرئاسية بأعصاب أكثر هدوءا وثقة لا تجبره على أن يعيش أوقات القلق التى عاشها فى انتخابات 2005، وفى نفس الوقت قوة برلمانية ترفع عن حكومة الحزب الوطنى حرج الاستجوابات المتكررة وأسئلة نواب المعارضة السخيفة، وتتكفل بدخول مشروع الحزب إلى سباق الانتخابات الرائسية لعام2011 وهو أكثر ثقة وأقل قلقا من إزعاج ما قد يأتى من ناحية الدكتور البرادعى أو غيره.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة