◄◄البرادعى غازل الرئيس ووصفه بالبساطة والصديق ومنح الإخوان حزبا دينيا ووافق على حرية بناء كنائس للأقباط وتجاهل أيمن نور
هل من الطبيعى أن نحكم على أفكار شخص ما من خلال حوار تليفزيون مدته 105 دقائق، وعبر عشرات الأسئلة كلها مبنية على افتراض خيالى نسجها ورددها البعض، هذا السؤال الذى راودنى خلال متابعتى الحوار الذى أجراه الإعلامى الكبير عمرو أديب مع الدكتور محمد البرادعى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق الذى سجله من فيينا قبل وصول البرادعى للقاهرة يوم الجمعة الماضى، بالتأكيد إجابته النفى، والسبب أن عمرو أديب لم يكن يحاور الدكتور البرادعى باعتباره مديرا سابقا للوكالة الدولية، بل لأنه أحد أهم الشخصيات المثيرة للجدل الآن، خاصة فى ملف الانتخابات الرئاسية القادمة، بعد أن طالبه بعض الشخصيات الفكرية والسياسية والإعلامية فى مصر بضرورة أن يخوض هذه الانتخابات، ولهذا فإن أسئلة عمرو أديب التى تجاوزت الستين سؤالا دار أكثر من 90 % منها حول افتراضية أن البرادعى سيخوض انتخابات الرئاسة القادمة.. والمفاجأة أن إجابة البرادعى جاءت بالنفى، الموافقة بشروط صعبة التطبيق، خاصة فى ظل الخريطة السياسية الحالية.
باستثناء الإجابة عن سؤال الترشيح لمنصب الرئيس فإن إجابات الدكتور البرادعى لعمرو أديب حول العديد من الملفات الساخنة فى مصر تنوعت بين الغموض فى بعضها والدبلوماسية فى الأخرى، وهو مايجعل التحليل أو القراءة المتأنية لنص الحوار يخرج بنتيجة واحدة، أن الدكتور البرادعى هو جزء من منظومة الشخصية المصرية المركبة التى دائما ماترى أن اللعب فى المنطقة الرمادية هو الأسلم والأفضل ليس عن خوف، ولكن لأننا لا نرى إلا نصف الحلول، ففكر الرجل لايختلف مطلقا عن فكر قوى المعارضة فى مصر، ولن أكون مبالغا إذا قلت إن هناك شخصيات فى الدوائر الرسمية تردد نفس مايردده البرادعى وبصورة أشد وأقوى.. فهذه هى طبيعة الشخصية المصرية تجتمع فيها كل المتناقضات، فالكل يؤمن بالديمقراطية، ولكنه يعود ليؤكد أن للديمقراطية حدودا، وهذه الحدود قد تكون أنيابا كما قال الرئيس الراحل أنور السادات، أو ضوابط كما قال الدكتور محمد البرادعى، أو التزامات كما يراها الرئيس مبارك، المهم أنه لا يوجد شيىء مطلقا.
إجابات البرادعى تؤكد أننا أمام شخصية حالمة، ولديها رؤية نظرية لحل مشاكل مصر، فالدكتور البرادعى يرى أن هدفه هو الارتقاء بمستوى الدخل والتعليم والخدمات الصحية المقدمة للمواطن المصرى البسيط، هذه هى الرؤية والتى لايستطيع أحد أن يقف أمامها، يريدها البرادعى ويريدها جميع المصريين، ولكن الدكتور البرادعى لم يقدم الطريقة المثلى للوصول إلى هذه النتائج.
والملاحظ فى حوار الدكتور البرادعى أنه يراهن على النخبة والجماعات الفئوية، وذلك من خلال دعوته لأن يقوم 10 آلاف محام بالتوقيع على بيانات تطالب بضمانات بنزاهة الانتخابات وتغيير الدستور، مؤكدا أنهم يشكلون ضغطا قويا نحو التغيير الديمقراطى.
الدكتور البرادعى يرفض فكرة المنقذ، وهو مايتعارض مع خطاب أنصاره الذين يؤمنون إيمانا كاملا بأنه المنقذ الوحيد لمصر، ولكن البرادعى أكد لأديب أن فكرة «المنقذ» انتهت من العالم كله، وأصبح الشعب شريكا أساسيا فى العملية السياسية، وفى تقرير مصيره، لافتا إلى أن هناك 42 % فى مصر تحت خط الفقر، وأن الأمية تجاوزت الخط الأحمر، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن التغيير ليس بالضرورة أن يتحقق بالصدام مع النظام.
البرادعى الذى يرى فى نفسه مصلحا سياسيا أكثر منه طامعا فى كرسى الحكم وجد نفسه متورطا فى رده على سؤال عن الأحزاب المصرية، حيث رفض فكرة الانضمام لأى حزب، مؤكدا أن حزبه هو الشعب أى الـ80 مليون مصرى، وهى إجابة مطاطية ولا تختلف كثيرا مع رؤية كل من يجلس على كرسى الحكم، فدائما مايرددون أنهم من الجماهير العريضة، وأنهم رؤساء لكل المصريين، وأن رهانهم هو الشعب، وأنه يستمد الشرعية من الـ50 أو 60 أو 80 مليون مصرى، وهى قريبة لاستفتاءات الـ99 % التى يحصل عليها كل رئيس، ويبدو أن البرادعى يراهن هو الآخر على كل المصريين، رغم أنه ينادى بالتعددية، وبحكم ديمقراطى يجمع بين نظام حاكم وقوى معارضة لهذا النظام فى الإطار السلمى المعروف، ومع فكرة تداول السلطة، لأنه من غير الطبيعى أن تجد شخصا يجد إجماعا من 80 مليون مواطن حتى لو كان رسولا من السماء..
ولأن البرادعى يراهن على الشعب فإنه يرفض الأحزاب الحالية ويشكك فى شرعيتها فهو يقول فى حواره لعمرو أديب: «هناك خلافات بين الأحزاب المعارضة أكثر من خلافتها مع الحزب الحاكم»، ثم تساءل كيف لحزب يفترض أنه معارض أن يحصل على ترخيص إلا إذا قدم تنازلات»...
على الرغم من هدوء الدكتور البرادعى فى رده على العديد من أسئلة عمرو أديب فإنه كان عصبيا فى إجابته حول تناول الصحف القومية لشخصه فقال: إن «رد فعل الصحافة القومية تراوح بين الكذب والإساءة. مضيفا أنه «لو أردت أن أجرهم إلى قضايا سب وقذف فى المحاكم لفعلت.. هذه ليست صحفا».
ووصل هجوم البرادعى على الصحافة القومية للذروة عندما سأله أديب حول تشكيكها فى ولائه لمصر باعتباره مزدوج الجنسية، فقال «هذا شىء يدل على تدنى الأخلاق» مضيفا «لم أجد لدى رئيس التحرير غضاضة فى أن يكذب على هذا المستوى»، مرجحا أن يكون دافع هذه الصحف هو إظهار الولاء للحزب الوطنى.
البرادعى ظل طوال حواره بعيدا تماما عن انتقاد أو الحديث عن مبارك، حتى أن عمرو أديب قالها له صراحه بأنه -أى البرادعى -يتحاشى الحديث عن الرئيس، وهو ماجعل البرادعى يؤكد له أنه يكن احتراما للرئيس وأنه التقاه أكثر من مرة وأنه رجل متواضع ويستمع جيدا ويملك بساطة المواطن الريفى المصرى، وهناك ألفة بينه وبين الرئيس منذ سنوات عديدة، فى إشاره إلى عمق علاقته بالرئيس مبارك، مؤكدا أنه يهاجم سياسات وأفعالا، ولا يهاجم أشخاصا، معربا عن اعتقاده بأن كل شخص خارج الحزب الوطنى الديمقراطى وداخله يعمل لصالح مصر، لكن المحك هو الطريقة والنتيجة.
ولكن موقف البرادعى الذى يستقى كل أخبار مصر من الصحف المصرية والأجنبية، طبقا لاعترافه لعمرو أديب، كان له رأى آخر فى الإخوان باعتبارها، كما يقرأ ويسمع، أقوى فصيل معارض مصرى، وأكثرها تأثيرا فى الشارع، فذهب الرجل فى حواره مع عمرو أديب لمغازلة الإخوان فيقول «الإخوان جزء من المشاركة فى العمل السياسى.. وإنه سيدعم بقوة تأسيس حزب للإخوان مرجعيته دينية» مضيفا «إذا اتفقت مع الدستور والتزمت الأسلوب السلمى»، متسائلا «كيف يمنع الدستور الإخوان من تأسيس حزب على أساس دينى وهو ينص على أن المصدر الرئيسى للتشريع هو العقيدة الإسلامية؟»، فيما شدد على ضرورة أن يكفل الدستور حرية العقيدة وبناء دور الكنائس للأقباط.
وعن إعلان أيمن نور عن ترشحه باسم حزب الغد، قال البرادعى «سمعت عن نور وقرأت أخباره فى الصحف وعلمت أنه دخل السجن.. لكنى لم أقابله ولا أعلم الكثير عنه»، وهو نوع من التجاهل لنور أحد أبرز قيادات المعارضة التى طالبته بالانضمام للغد.
حوار البرادعى كشف عن موقفه من إسرائيل ومعاهدات السلام، وهو موقف لا يختلف كثيرا عن الموقف الرسمى، حيث قال «إنه يحترم جميع المعاهدات الدولية بين مصر وإسرائيل»، ولكن- والكلام للبرادعى- يجب أن نحترم المعاهدات مع ضرورة حل عادلللقضية الفلسطينية، وهى كلمات دبلوماسية يقولها أصغر موظف بالخارجية المصرية يعنى لا جديد عند البرادعى فى هذه القضية، ونفس الشىء تكرر فى رده على الموقف بالنسبة لأمريكا.
وأخير فإن اكتشاف شخصية البرادعى صانع الأخبار الآن فى مصر، لن يتم الحكم عليها من خلال حوار مع عمرو أديب أو أحمد المسلمانى أو منى الشاذلى، ومن الضرورى إعطاؤه فرصة أكبر، لكى يتم تقييم الرجل، الذى لايمتلك حقائق واضحة عن الشعب المصرى إلا من خلال ماقرأه وما سمعه وما شاهده من وسائل الإعلام والصحف والتقارير الدولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة