انتصر القضاء لحرية الإبداع وأصدرت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة حكما يعد سابقة فى تاريخ الإبداع والقضاء ومنح صناع الفيلم الحق فى تصويره، حيث شدد القاضى على أنه لا سلطة فوق الإبداع، وليس من حق أى مؤسسات إدارية مصادرة حرية المبدع، وهو الحكم الذى كان من المفترض أن يدعم موقف وزارة الثقافة فى معاركها ضد تدخل الجهات الأمنية أو الدينية، لكن المفارقة أن وزارة الثقافة طعنت فى الحكم مطالبة بوقف تصوير الفيلم حتى يتم عرضه على جهات سيادية عليا، لأن أحداث الفيلم تدور فى فترة تاريخية هامة من تاريخ مصر، وهى ما بعد نكسة 76 يونيو.
صناع الفيلم يؤكدون أنه ليست به أسرار عسكرية، وأنه يتناول علاقة صداقة فريدة من نوعها بين الزعيم جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر ولا يحمل إساءات أو محاكمات لتلك الرموز التاريخية، بل هو بمثابة مراجعة لثورة يوليو، ويعتمد على الكثير من الوثائق التى نشرت سواء فى الجرائد أو المجلات أو الكتب.
الغريب أن القاضى الذى أصدر حكما بإنصاف الإبداع والمبدعين اهتم بالسيناريو وقرأه و«فصص» ما ورد به، فى حين أن رئيس الرقابة على المصنفات الفنية د. سيد خطاب لم يقرأ السيناريو، مؤكداً أن الفيلم كان قد تقدم للرقابة قبل مجيئه بسنوات، ورغم أن المشكلة لا تزال قائمة فهو يوضح أن الخوف قد يكون فى وجود أسرار عسكرية هامة، ويعتزم أن يقرأ السيناريو ليتأكد من عدم وجود أسرار عسكرية أو حربية، والتساؤل هنا: ألم تحرك تلك الأزمة رئيس الرقابة ليطلع على سيناريو الفيلم حتى هذه اللحظة؟ كما أنه ألقى تبعات المسألة كلها على الإدارة القانونية فى وزارة الثقافة، وكأن الإدارة تحركت من تلقاء نفسها دون أى توجهات أو الرجوع للرقابة أو وزير الثقافة، وكأنه بهذا التصريح يغسل يده من دم تلك الدعوى. والمسألة هنا لم تعد مقصورة على الورثة واعتراضاتهم بل على موقف واضح للرقابة على المصنفات الفنية التى أصبحت ضد الإبداع والمبدعين ومجرد أداة لتنفيذ سياسات مؤسسات وجهات أخرى، رغم أن الحكم القضائى الأخير أكد نصاً أن «قانون تنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية لم يسند لأى جهة سوى الإدارة العامة للرقابة على المصنفات، وحدها أن تفصل فى مدى ملاءمة المادة للعرض من عدمه، وأن اشتراط الرقابة على المصنفات الحصول على موافقة الجهات السيادية لا سند له من القوانين».
كما أن كل القضايا التى تتعلق بالأعمال الفنية التى تتناول السير الذاتية انتصر فيها القضاء للمبدع ضد الورثة، وإذا كانت هناك حجة فيما يتعلق بحساسية الفترة الزمنية التى يتناولها الفيلم نجد أن هناك الكثير من برامج التوك شو والصحف تناولت تلك الفترة بالتحليل وعرض وجهات النظر المختلفة.
«اليوم السابع» تفتح ملف علاقة الرقابة بالإبداع، وتناقش المبدعين ورؤساء الرقابة السابقين فى موقف الوزارة من الطعن، ولماذا تظهر الرقابة بوجهين أحدهما مستكين لا حول له ولا قوة أمام بعض الجهات، ووجه آخر متسلط وعدائى تظهره للمبدعين، رغم أنها يجب أن تفعل العكس، ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تبرع المبدعين بالذهاب إلى الجهات الأمنية والدينية لأخذ موافقتهم لتوفير كل الجهود على الرقابة التى اقتصر دورها على إرسال السيناريوهات لتلك الجهات.