الأمة التى لا تكتب هى أمة تعانى نقصًا شديدًا فى كافة نواحى المعرفة، فالكتابة هى أولى خطوات الحضارة، وقد جسّد الفراعنة شخصية الكاتب فى تمثال ما زال موجودا فى دار الآثار المصرية إلى الآن.. كذلك الحضارة العربية كان أول بدئها الكتابة، فبدأ تدوين علم الحديث والفقه والمنطق والطب وعلوم الفلك والفلسفة، وترادف مع ذلك أكبر حركة ترجمة عرفها التاريخ فنشِط المترجمون العرب لينقلوا ويحفظوا لنا، وللنهضة الأوروبية فيما بعد، علوم اليونان والهند وفارس، كما اهتم العرب بعلم التاريخ ما جعل الغربيون يذكرون ابن بطوطة ورحلاته فى كثير من مراجعهم.. واستمر الإهتمام بالكتابة حتى عصور قريبة فى التاريخ العربى لينجب لنا مؤرخا كبيرا هو الجبرتى الذى عاصر الحملة الفرنسية على مصر ودون لنا أحداثها.
إلا أننا الآن ورغم التطور العلمى والإلكترونى، نشهد تأخرا فى الكتابة، خاصة على صعيد الحكومات العربية بمعنى أننا لا نؤرخ الأحداث وندونها ونحرص على وضعها فى أرشيف ضخم منظم الكترونيًا يسهل الوصول إليه من قبل الأفراد، والحكومات على حد سواء، ويتيح للمجتمع المشاركة فى إثرائه، بل على العكس معظم الحكومات يعمد إلى تضييق مساحات الكتابة المتاحة للأفراد، وذلك عن طريق مراقبة المدونات، وتضييق مساحة الرأى وخنق حرية الفكر، وإغلاق المواقع، رغم أن تلك الجهود الفردية فى الكتابة ستكون جزءا من التاريخ فيما بعد عن طريق نقلها للأحداث المعاصرة، وربما بقليل من التنظيم والتعاون بين الكتاب والمؤرخين والحكومات قد تصبح الأجيال القادمة فى غنى عن أن تأخذ تاريخها من مصادر الغرب وأرشيفه كما يحدث لنا الآن.
إن الحكومات التى تضييق على الشعوب فى الكتابة، هى حكومات تعانى من أزمة فى الفكر والمنهج، فلا هى تستطيع أن ترد الحجة بالحجة ولا هى قادرة على تنظيم تلك الكتابات وتصنيفها بدلا من الخوف منها، بل كل ما تعمد إليه هو محاولة منعها أو تجفيف مصادرها، كما أن تلك الحكومات المقيدة للكتابة هى أيضًا حكومات لا تكتب، أى لا توثق وتأرخ وتأرشف ما يدور حولها من أحداث، ما يجعلها عرضة للفوضى والإدعاء الباطل من قبل أى جهة دولية أخرى.
الكتابة مظهر حضارى يجب الحرص عليه وتشجيعه، فيكفى أن الكتابة هى أول محفّز للقراءة، بل يكفى أننا نقرأ ما يكتبه الآخرون فنبقى على تواصل بدلا من العزلة والخواء الفكرى الذى نعيشه منذ عقود طويلة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة