شعرت بذلك الاحتياج الشديد لرذاذ الماء وزخاته المتوالية..
أسرعت كعادتها ووقفت تحته مستسلمة تماما..
رفعت رأسها وأسلمته وجهها وشعرها.. تهرب دوما فيه.. منذ صغرها.. ترتمى فى أحضانه..
كانت لا تترك البحر إلا لتعود له ومرت الأعوام وظل الماء عشقها الأول..
من قال إن الماء طهر للجسم فقط؟ الماء طهر الروح..
يختلط مع دموعها المنسابة فتغسل روحها ونفسها.. لا تدرى بالوقت وهى على حالها.. دموع ساخنة.. وزخات دافئة..
آه لو يتوقف الزمن فلا يمضى حتى تغسل كل الهموم.. كم عمرا على عمرها تحتاجه لتغسل أحزان عمرها!!
لا يقلق عليها أحد.. عرفوا عاداتها.. تغيب طويلا تحت الماء.. سعيدة.. تضاحكه وتنثره..
حزينة تستسلم له وهو يربت عليها برفق..
تفكر وهو يقبل رأسها المفكر.. فى كل حال تلجأ له.. تجرى دموعها صامتة وتختلط بدفقاته الهادئة.. كم تبقى من العمر؟؟ تريد أن تبقى هكذا حتى موتها..
تخرج من تحت عباءته وقد هدأ ضجيج الحزن الصارخ فيها.. واستسلم للدفء واختلط باللحم والعظم.. أصبح هذا الهيكل ملاذا لحزن آخر أعمق.. يأخذه معه فى نوبات التطهر تلك ويعودا سالمين لبعضهما..
منذ لمست الماء وانهمر فوقها.. شعرت بيده الحانية تربت عليها.. اقترنت به.. تغادره وقد جفت دموعها وبح الصوت المختنق من شهقاتها تحت الزخات..
ولكن بين دوامات بخار الماء فى المرآة تلمح وجهها الباكى..
ترسم بأصابعها النحيفة صورة قلب ينظر لها.. مبتســما.. فتبتسم أخيرا..