صلى على النبى

الأربعاء، 24 فبراير 2010 06:23 م
صلى على النبى
أكرم القصاص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صلى على النبى.. كمان زيد النبى صلاة.. جملة عابرة يفتتح بها المصريون العوام كلامهم فى البيع والشراء والخطبة والزواج والتعبير والفرح والتخفيف على النفس والآخرين. وهى أيضا سلوك يرتبط بالكثير من التفاصيل فى الثقافة المصرية، والكثير من التصرفات. حالة تتجاوز الإيمان إلى الحب، للرسول ولآل البيت. جاء من التشيع وارتبط بالتصوف، وتوطن فى الوسطية.

صلى على النبى بداية أى كلام، والجملة التى تنشط الاتفاقات وتهدئ الأجواء وتقرب بين المتخاصمين. وتختلف عما يقرأه المصلون فى صلاتهم أو يواصلون بها كلامهم وتفاهمهم معا. جزء من العقيدة لكنها فى مصر اختلطت بالكثير من السلوكيات، بعضها إيجابى وبعضها أيضا لا يخلو من سلبية.

الصلاة على النبى ترتبط بالمتدينين، وأيضا بالعوام الذين يمثلون الأغلبية بين المسلمين، ويمارسون طقوسهم بوسطية، ولا يجدون أى تناقض بين الإيمان، وحب آل البيت والتبرك بهم.

الصلاة على النبى تبدو كأنها كائن حى. وجزء من منظومة العلاقات بين الناس وبعضهم. وهو أمر غير موجود بالشكل نفسه فى الدول العربية والإسلامية الأخرى، لدى الشيعة يرتبط حب آل البيت بالعقيدة الشيعية، لأنهم يعتبرون إمامة على بن أبى طالب ونسله جزءا من العقيدة. بينما المصريون لا يفرقون بين آل البيت ويجمعون بين حبهم وحب أبى بكر وعمر وعثمان والصحابة. ولا يقبلون الإساءة لهم. أما الدول التى تعتمد المذاهب السلفية كالسعودية فهم لا يحتفلون بمولد النبى عليه الصلاة والسلام، ويعتبرون الاحتفال بدعة. مثل كثير من الاحتفالات التى أخذت شكلا مصريا. وجزءا من ثقافة تمتد لقرون.

الاحتفال بالمولد النبوى فى مصر. ارتبط مع المصريين من أيام الفاطميين، وجرت محاولات عديدة لإلغاء هذه الاحتفالات من قبل الحكم الأيوبى لكنها لم تفلح. وكان الاحتفال بالمولد النبوى وآل البيت هدفا لانتقادات السلفيين الذين انتقدوه مثل باقى الأعياد المصرية ومنها شم النسيم ويرونها بدعا، لأنهم يقيسون على تصور موحد للإسلام يستقونه مما يتصورون أنه الإسلام الأول الخام أيام المثالية الإسلامية أو الشرعية الثورية.

ويتجاهل هؤلاء أن الإسلام انتقل إلى بشر مختلفين فى أمصار مختلفة لكل منها ثقافته، وكانت هناك أمصار دخلها الإسلام وتداخل مع ثقافتها احتفظت بأصوله لكنها مزجته بثقافتها. وتأثر الفكر الإسلامى بأفكار الحضارات الأخرى كالفارسية والرومية والهندية واليونانية.

واختلف فقهاء وعلماء مكة عن مصر عن الأندلس والمغرب. وكان كثير من العلماء والفقهاء من أصول غير عربية. مسلمو فارس غير مسلمى الهند غير بغداد بثقافتها غير الدول فى شمال أفريقيا ومنها مصر. وظهرت علوم الفقه والكلام وغيرها، ولم تكن الحضارة الإسلامية منقطعة عن غيرها.. فى مصر بقيت ثقافة فرعونية وقبطية بعد دخول الإسلام، وامتزجت الأفكار ومع مجىء الفاطميين ابتكروا الأعياد والاحتفالات التى كانت ترتبط بالأكل والشراب استنادا لثقافة مصرية مستمرة كان كل احتفال فيها يرتبط بالموسم أو الطعام فشم النسيم كان يرتبط بالفسيخ والبيض والخضروات، أما الفاطميون فربطوا الاحتفالات باللحوم والأطعمة والحلويات، وما يزال المصريون يأكلون العاشورة فى عاشوراء، ويصلون على النبى.

كان الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى مصر يتخذ شكلا مهرجانيا، يعتبرونه مثل عاشوراء ورأس السنة الهجرية «موسم»، بما يعنى الطببيخ الدسم، والأكل، ثم الاحتفال ليلا بالصلاة على النبى وحلقات الذكر للصوفيين، التى يقرأون فيها بردة البوصيرى. التى تمثل نوعا من الغزل. أو يدخلون فى حلقات «ذكر»، و«الحضرة»، حيث يذكرون الله ويصلون على النبى. وكانت حلقات الذكر تعنى للفلاح المصرى العادى الراحة، بعد العناء، والاندماج بصورة غنائية واحتفالية بالأغانى والأذكار والصلوات على النبى. وكانت بردة البوصيرى إحدى أهم أدوات الذكر مع ما فيها من معانى الغزل والعشق والحب والرقة بدت كقصيدة غزل:
أمنْ تذكر جيرانٍ بذى ســــلمٍ مزجْتَ دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــدمِ
أَمْ هبَّتِ الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمـــةٍ وأَومض البرق فى الظَّلْماءِ من إِضـمِ
فما لعينيك إن قلت اكْفُفا هَمَتــا وما لقلبك إن قلت استفق يهــــمِ
أيحسب الصبُ أنّ الحب منكتـــمٌ ما بين منسجم منه ومضْطَّــــــرمِ
حتى يبدأ البوصيرى بعد مساحة طويلة ليمدح النبى قائلا
محمد سيد الكونين والثقليــــن والفريقين من عُرْب ومنْ عجــمِ
نبينا الآمرُ الناهى فلا أحــــدٌ أبرَّ فى قولِ لا منه ولا نعــــمِ
هو الحبيب الذى ترجى شفاعـته لكل هولٍ من الأهوال مقتحـــمِ
دعا إلى الله فالمستمسكون بــه مستمسكون بحبلٍ غير منفصـــمِ
حتى يختم بالأبيات
يا أكرم الخلق مالى من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بى إذا الكريم يجلى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
كانت البردة جزءا من الذكر الدائم، ارتبطت بالثقافة المصرية فى الاحتفالات وحلقات الذكر.

وكان حب المصريين للنبى وآل بيته ارتباطا واسعا استمر حتى الآن وفشلت كل محاولات حذفه، أو حذف طقوسه، وكانت الموالد أحد الطقوس التى تصور السلفيون أنهم قادرون على حذفها باعتبارها بدعة مع أن المصريين كانوا عندما يحتفلون بآل البيت أو الحسين والسيدة ولا يشكون فى أنه وثنية أو بدعة مثلما يرى أتباع محمد بن عبدالوهاب ويعتبرون أى شىء أضيف بعد الرسول عليه الصلاة والسلام بدعة معتقدين إمكانية تعميم نسخة واحدة من تصورهم عن الإسلام بصرف النظر عن اختلاف الجغرافيا والتاريخ والطقس، فترى من يريدون ارتداء ملابس الصحراء فى الحضر، أو ينقلون ملابس قريش إلى القاهرة، فى القرن الواحد والعشرين معتقدين أنهم يعيدون للإسلام صورته الأولى وهو أمر يصعب تصوره عقلا.

كانت «صلى على النبى» جزءا من الثقافة المصرية الإسلامية التى لا تتعارض مع العقيدة، وترى اثنان يريد أحدهما افتتاح الكلام بـ«صلى على النبى» فإذا رد عليه الصلاة والسلام، فإنه يوافق على بدء الحوار أو التفاوض. وفى الأسواق سادت «صلى على النبى» كبداية للبيع والشراء فإذا قال له بعشرة يرد الثانى: صلى على النبى بتعسة فإذا رد بالصلاة على النبى تمت الصفقة.

وفى الخصام أو الجلسات العرفية تبدأ بالصلاة على النبى، وكانت الصلاة على النبى تتم فى وجود مسيحيين يصلون على النبى مراعاة للشعور وهم بالطبع يصلون على نبيهم، ولم يكن الأمر أبدا يؤخذ كنوع من التعدى أو الطائفية. كان هذا قبل فاصل طويل أفسد معانى هذه الجمل والكلمات واعتبرها بدعا أو امتهنها.

إذا تشاجر اثنان كانت تكفى «صلوا على النبى يا جماعة» لانهاء المعركة. وكانت الصلاة على النبى تعبيرا عن الإعجاب، فإذا ذهبت المرأة لخطبة فتاة ورأت العروس يكون أول وأسرع تعبير عن إعجاب المرأة اللهم صلى على النبى. تعنى الموافقة المبدأية التى يعقبها جلسة الرجال لقراءة الفاتحة.

الصلاة على النبى عامل مشترك فى المئات من الطقوس المصرية وكان الأمر لا يؤخذ أبدا كنوع من الطائفية، وأحيانا كانت العادة بالصلاة على النبى تغلب ويتعامل معها المسيحيون كعادة. وابتكر الموالدية قبل بدء عروضهم بعبارة «موسى نبى وعيسى نبى.. محمد نبى وكل من له نبى يصلى عليه». وتبدأ الحدوتة بصلوا على النبى وكمان زيد النبى صلاة.. كان ياماكان... إنها ثقافة الصلاة على النبى أيام السلام والاعتدال والإسلام السهل الخالى من التشنج وقبل أن يرى البعض الإسلام بلا احتفالات ولا زيارات لآل البينت ولا حتى مولد النبى. صلوا على النبى.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة