سعد السعود علا فى الحل والحرم
نور الهدى قد بدا فى العرب والعجم
بمولد المصطفى أصل الوجود
ومن لولاه لم تخرج الأكوان من عدم
بهذه الأبيات يدخل بها جماعات االتصوف والدراويش فى حلقات ذكر لا نهايه له يبدأ منذ اليوم الأول من أيام ربيع الأول، هذا الشهر الذى ولد فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حتى يوم مولده فى الثانى عشر من هذا الشهر الكريم.. حلقات ذكر شعبية يختلط فيها كل شىء الشطح والرقص والتدخين والإنشاد والتشبيب إلى جنب المراقص وملاعب القمار وأماكن مشبوهة، وإذا ما قدر لامرئٍ أن يرى أنواع الشر مجتمعة فما أحسب أنه سيجد مكاناً يُجملها مثل هذه المواطن التى تمارس فيها المعاصى على أنها طاعة، والخرافة على أنها حقيقة، والجهل على أنه علم. ويمكنك أن تلمس هذا وأنت تسمع لمنشد يهذى بين أدعياء المحبة...
الجماعات من المتصوفين والدراويش يجدون فى أيام مولد الرسول فرصه ذهبيه للترويح عن أنفسهم ونشر مذاهبهم، ويكفى أن كل مشيخة تحمل لافتات عليه كل عبارات المديح والصلاة على الرسول، ومعها أيضا اسم شيخ طريقتهم وكلمات المديح فى قطبهم بجوار نفس المعانى فى مديح الرسول الكريم، كما أنها فرصة لإعلان فكرة الحلول الإلهى فى أجساد بعضهم وهو مايعبر عنه حُلُوليَّات ابن الفارض فيتغنون فى حلقات ذكرهم بكلماته التى تقول:
وإنى وإن كنت ابن آدم صورة
فلى فيه معنى شاهد بأبوتى
ويستزيدون من هذا الشعر الحلولى لابن الفارض فيقولون:
أنا فيكمو أنا فيكمو
ولكنى خفى عنكمو
كلها كلمات تجدها فى حلقات الذكر التى تقام لمده 12 يوما ويقودها دراويش وأصحاب الطرق الصوفية الذين يحتلون مساجد أهل البيت فى القاهره مثل مسجد الحسين والسيدة نفيسة والسيدة زينب، وغيرهم من أحفاد سيد الكونين حضروا لأقرب جسد يقربهم للرسول محمد صلى الله وعليه وسلم ولا يجدون إلا أضرحة أحفاده يذكرون حولها ويبكون ويسقطون ويسكرون ويظل بعضهم يتحدث بكلام لا يعنى إلا الحلول، أو ما يسميه بعضهم بالحضرة الإلهية على اختلافٍ بينهم.
هذه هى الصورة الغريبة التى يقدمها أكبر فصيل فى مصر يحتفل بمولد الرسول والغريب أن عدسات وكاميرات فضائيات العالم لا ترى فى احتفال المسلمين بالمولد الشريف إلا هؤلاء الذين يقدر عددهم وبحسب مصادر الصوفية فى مصر بنحو 11 مليونا، أغلبهم طرق تسير فى طريق الدروشة، هذا العدد الضخم هو من يحرك طريقه الاحتفال بالمولد النبوى الشريف ويكفى حكاية الحصان والخليفة والمعروف بالموكب الطاهر والذى يتم اختيار أحد الأقطاب البارزين منهم ليجلس على حصان ويمسك راية الخلافة، مرتديا الزى الرسمى لهذه الطرق ذى اللون الأخضر ويسير خلفه الألف من أبناء طريقته وهم يهللون بالصلاة على النبى والمديح فيه وهذه هى الصورة التى نراها الأبرز فى الاحتفال بمولد الرسول والتى لا ينافسها إلا البدع الشعبية من العروسة والحصان المصنوعين من الحلوى..
إذن للدراويش وأصحاب الطرق الصوفية طريقة خاصة بهم للاحتفال بالمولد نشهدها أمام كل أضرحة أولياء الله الصالحين وأهل البيت ولاينافسهم فى هذه الاحتفالات والأضرحة سوى الشيعة رغم اختلاف طريق احتفال الشيعة عن الدراويش والمتصوفين، فإنهم يجدون فى ذكرى مولد الرسول مناسبة لتسليط الضوء على شهداء أهل البيت مثل على ابن أبى طالب والحسين ابنه وغيرهما..
وكذلك أجواء وليالى المديح وقراءة الأشعار وإنشاد المديح فى حب النبى صلى الله عليه وسلم بأصوات المداحين المعروفين، وكان أكثرهم شهرة محمد الكحلاوى (الله يرحمه)، ومن المفيد أن هذه الأضرحة موزعة على مختلف أنحاء الجمهورية فتجد سيدى إبراهيم الدسوقى فى دسوق، والسيد البدوى فى طنطا، والسيدة زينب والحسين فى القاهرة وهكذا.
كما أن هناك بعض الأكلات المفضلة لدى المصريين فى هذا اليوم مثل الفتة (أرز باللحمة والعيش)، وطبعا الحلويات وعرائس وعرسان المولد (لعب مش بجد)، لتصبح هذه الليالى فرصة للاحتفاء بالنبى على الطريقة الدرويشية من المصريين.
وتنطلق المسيرة تحت الرايات فى موجة من الإنشاد مبتدئة من مسجد الجعفرى مشياً على الأقدام بالشوارع لتنتهى إلى المشهد الحسينى الذى يقف الجميع أمامه فى خشوع لقراءة الفاتحة للنبى صلى الله عليه وسلم، ثم تُدَبَّج الخطب وتلقى الأناشيد والأشعار. ويبدأ الحفل الشعبى من حيث انتهى الحفل الرسمى الذى تنقله الإذاعة والتليفزيون عادة، ويدخل كل شيخ طريقة خيمته لبدء فاصل آخر من الاحتفالات الغريبة والتى نجدها أبعد بكثير من سنن الرسول الكريم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة