لو كنت عائداً إلى بلدى بعد خمسين عاماً من الغربة أحمل فى يدى اليمنى جائزة نوبل وفى الأخرى عمرى وذكرياتى وحنينى.. لتمنيت أن يكون فى استقبالى على عتبة الطائرة مليون مصرى تحية لسنوات نجاحى وكفاحى التى قضيتها مسافراً من بلد إلى بلد ومن أزمة إلى كارثة!.
هكذا كان يجب استقبال الدكتور محمد البرادعى فى مطار القاهرة الجمعة 19 فبراير، نستقبل المواطن المصرى المتميز الذى يحمل عمرا من الإنجازات التى نفتخر بها وبه.. وليس الرجل القادم لإنقاذ وطن فتحجز له نشرات الأخبار الخبر الأول فى أحداثها!
حتما إن سعادة رجل بحجم وقيمة البرادعى باستقباله عالما فذا وحكيما أقرب إلى الفلاسفة.. أهم بكثير من استقباله على أنه فكرة أو مشروع رئيس جمهورية!
اختصرنا عمر الرجل ومشواره فى قرار لو لم يتخذه فسوف ينفض الجميع من حوله.. ولو تراجع عن المضى نحوه فسوف تنهال عليه مقالات الغضب وعبارات التجريح القاسية من نفس الأقلام والأشخاص التى تضفى عليه أرقى الصفات الآن!
هذا رجل مهم وعاقل بحكم منصبه رفيع المستوى الذى بلغه بعلم وجهد وإتقان ودقة، والمنتظر من رجل له هذه الخبرة السياسية الرفيعة ألا يتورط فى العودة إلى وطنه لأول مرة بعد أن أنهى مهمته فى وكالة الطاقة وهو زعيم.. لكن وهو عالم وفقيه فى مملكته الخاصة التى لاتساوى أى منصب!
انتظرت من الدكتور البرادعى سيناريو آخر للعودة، وليس سيناريو صاخبا وتناقضات عمرها الآن خمسة أشهر تقريبا منذ طرح اسمه مع آخرين مرشحا فى انتخابات الرئاسة القادمة، كان على الرجل الخبيرالهادئ فى إدارة أكثر الملفات غموضاً وحساسية فى العالم.. أن يدير ملف عودته إلى مصر مواطناً أو حاكماً بحكمة أكبر، فلا ينزلق إلى تصريحات صحفية عن بعد فى أدق أمورنا السياسية، كان المقبول أن ينتظر ترك منصبه فى وكالة الطاقة بهدوء وعودته إلى القاهرة بدون ضجة ثم يتكلم ويشرح وينقد ويطلب ويقرر، تدفق الدكتور البرادعى فى أحاديث عن سياسة مصر وهو خارجها وبعيداً عنها، ودون أن تتاح له الرؤية المتأنية من داخل الحدث، ودون أن نعرف عنه أكثر من المتاح عبر البرامج التليفزيونية والتقارير الصحفية التى تفتقد الدقة!
نحن نكرر الأخطاء نفسها، على الرغم من أننا نحلم بمصر الجديدة الأخرى التى نريدها فى السنوات القادمة، ولهذا نريد عقلاء فى عنبر المجانين الذى نعيش فيه، ونريد لصوت العقلاء أن يصبح مسموعا، ومن علامات العقل أن نمسك ورقة وقلما ونحدد الأهداف.. ومن الأهداف نحدد الطرق.. ومن الطرق نعرف الأشخاص المؤهلين لذلك!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة