نحن نعيش فى زمن التطرف.. نعم لقد أصبح التطرف هو سمة هذا العصر، لإثبات الوجود وتحقيق الهدف وليس هناك من أسلوب آخر حتى يلتفت إليك العالم. أما الوسطيون فقد ولّى زمانهم يحاولون الصمود ولكن لا أحد يعيرهم اهتماما ولا يسمع صوتهم. إنى لا أتحدث عن التطرف الدينى، ولكن نحن نعيش وسط ضوضاء التطرف فى كل شىء من الدين للفن ومرورا بالسياسة. إنى لن أرمى بكلماتى أشخاصا بتهمة التطرف ولكنى سأقف عند الأفعال المتطرفة التى جعلت من الأشخاص رموزا.
فلتنظروا معى من هم البارزين على الساحة، الذين هم محور أحاديث الآخرين، من كتبوا دستورا جديدا لهذا الزمن وإن كنا قد رفضناهم واستنكرنا أفعالهم، فيمر الوقت إلى أن يصبح الفعل المتطرف مقياسا لما قبل ومكيالا لما يحدث بعد.
كلنا أكيد نتذكر أين كنا عندما شاهدنا على شاشة التلفزيون الطائرات التى أطاحت بمركز التجارة العالمى، كلنا يتذكر كم الفزع الذى عاشه من هول المشهد. ولكن ألاحظتم ماذا حدث بعد ذلك؟ أنا كنت أتابع جيدا صورة أسامة بن لادن أصبحت على أغلفة جميع المجلات والصحف لا أكاد أذكر أيا من نجوم هوليوود تصدروا أغلفة هذا الكم من الطبعات، أما عندما كان يذاع شريط جديد له، فالكل يجلس بلا حراك ليرى ماذا سيقول البطل من بطن الجبل!!! طيب لننتقل إلى عام 2002. أحب هيفاء وهبى كثيرا، وأحترم نجاحها أكثر، ولكن تذكروا معى متى كانت أول مرة تسمر فيها الشعب العربى أمام التلفاز ثم أشار بالبنان "هذا الصاروخ اسمه هيفاء وهبى" لا تنكروا أرجوكم أن هذا الكليب كان كليب متطرف بالفستان الأحمر المبلل والنظرات والإيماءات.. إنى لا أتحدث عن هيفاء إطلاقا ولكن أتحدث عن الفيديو كليب الأول التى لم تعد هيفا نفسها بحاجة الآن لإعادة هذا النوع من العيار الثقيل من المشاهد أمام الكاميرا فقد أصبح العالم كله يعرف من هى هيفاء وهبى. ولكن هل لو كانت هيفاء وهبى اختارت أن تبدأ مشوارها الفنى بأغنية ونفس أسلوب تصوير "يا ابن الحلال" وهو كليب وسطى جدا، هل كانت لتلاقى نفس النجاح؟ هل كانت هيفاء وهبى لتصبح رمزا؟ لا أعتقد كان يجب أن تثبت أقدامها أولا. كيف؟ من خلال مشاهد تعدت بها كل الخطوط الحمراء. تحياتى لذكاء هذه المرأة فهى أول من فطن لسمة هذا الوقت. إنى لا أعيب فى هيفاء ولكن أؤكد على ذكائها.
ولتنظروا معى إلى السياسة الخارجية الأمريكية. أليست متطرفة؟ ولكنه تطرف دستورى قانونى بدعوى العدالة. ولكن حتى الشعب الأمريكى عندما أسقط فى أيديهم وكان لابد من اختيار رئيس جديد يخرج بهم من عنق الزجاجة. أعطوا أصواتهم لرجل من أصول أفريقية وكان ذلك إنما يعد تطرفا عن معتقدات ومفاهيم وتقاليد راسخة داخل وجدان الشعب والعقلية الأمريكية.
ولنترك السياسة والدين والفن، انظروا حولكم نحن فى زمن "آخد حقى بدراعى، فالقانون نفسه طويل"، انظروا فى الشارع للشاب ذى 22 عاما يقف بسيارته التى يتعدى ثمنها فوق المليون إلى جانبه فى الإشارة رجل أربعينى على "فسبة" تتكوم وراءه زوجته وأولاده. لا أكاد أرى حتى فى المنظومة الاجتماعية لأوطاننا العربية وجود للطبقة الوسطى، فإما غنى فاجر أو فقر كاسح.
اذهبوا إلى أى شاطئ وانظروا إلى المنقبة التى تمر من جانب أخرى تستعرض البكينى ولا تكاد إحداهما ترى الأخرى.. المنقبة ترفض النظر إلى صاحبة البكينى لأنها سافرة ولحم رخيص. وصاحبة البكينى ترفض النظر إلى المنقبة لأن هذا فى نظرها مغالاة غير مفهومة. أليست كل هذه مشاهد متطرفة؟ وهنا نجد أن التطرف له أنواع وأشكال وألوان مختلفة، بعضها القبيح وبعضها الجميل الباهر.. المهم أن ما أصبح يشد انتباهنا الآن أطراف الأمور وليس وسطها أو عمقها. حتى أحكامنا على الآخر نطلقها جزافا.
لم تعد الوسطية والاعتدال "يأكل عيش" فإما تصبح رمزا تترك بصمة لتفسح لوجودك مكانا ففى هذا الوقت يجب من عمل متطرف وليس من الضرورى أن يكون الفعل من أصل الفاعل، إنما هو وسيلة لتحقيق هدف أنانى أو سامٍ فالاثنان سواء. ووسط كل هذه الضوضاء. يؤرقنى سؤال: إذا كنت أريد النجاح وتحريك المياه الراكدة فمن خلال ما أرى عفوا يجب أن أتطرف ولكن كيف؟ وإلى أى جهة من الأفضل أن أتطرف إليها؟ سؤال يدور فى عقلى وأكيد فى عقل آخرين ممن أدركوا أن فى هذا الوقت المتطرف يكسب.
* إعلامية سعودية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة