لا تعليق على أحكام القضاء، لأن حكم المحاكم مرآة الحقيقة.
لكن الحقيقة أيضا أنه لرؤساء الجامعات، والمؤسسات الحكومية، ورؤساء الهيئات، والوزراء وأولى الأمر إقرار ما يرونه صالحا من قواعد تنظيمية للمصلحة العامة.
فإذا قرر رئيس الجامعة منع الطالبات من ارتداء النقاب، على الطالبات الالتزام، وإذا قرر الوزير ألا تدخل الموظفات ديوان وزارته بـ " لثام".. عليهن ألا يفعلن.
حتى مع حكم القضاء الإدارى بإلغاء قرار حظره فى الجامعات، يظل النقاب عادة وليس عبادة.
فقهاً يجوز لولى الأمر أن يأمر بحظر العادات، وله إلغاء ما ليس مناسبا، ما دام لا يدخل فى إطار العبادات.
فقهاً، يجوز لولى الأمر أيضا أن يأمر بالنوافل، فيلزم بها المسلمين أو ينهاهم عنها إذا اقتضت المصلحة، و يجوز له مثلا أن يأمر بالصوم " فى غير الفروض"، ويلتزم الملسمين "شرعا" بما قرر صيامه، إذا اقتضت المصلحة، لأنه حيثما توجد المصلحة، فثمة شرع الله.
والأصل فى القواعد الفقهية أن الإلزام بالعبادة.. غرضه صلاح الدين، فالالتزام بالمصلحة يهدف إلى صلاح الدنيا.
قضاء الإدارية العليا حكما "قانونيا" ليس حكما شرعيا، واعتقاد الكثيرين فى انسحابه بالضرورة على "شرعية" النقاب، بما يدخله بوابة الفروض.. ليس صحيحاً.
فى حيثياته انحاز حكم الإدارية العليا للحريات، فاعتبرت المحكمة ستر الوجه "أمرشخصى"، وهو حق للقاضى، ورأت المحكمة أن الاختباء وراء "إسدال أسود"، أيا كانت بواعث هذا الاختباء.. يعود لخيار "المختبئة"، وحرية الاختيار مكفولة قانونا.. كمبدأ عام.
لكن الحريات فى القانون، غير الحريات فى الشرع، فالقانون مثلا لايعول على "البواعث" التى أدت لفعل ما، حتى لو أدى الفعل لجريمة، ولا يضع القانون فى اعتباره " الدوافع " التى كانت الطريق إلى "مفسدة"، ما يجعل القضاة أغلب الأحوال فى انتظار "واقعة ما" ليفصلوا فى مسئولية فاعلها القانونية.
المعنى أن الفقه القانونى لا يقوم إلا على ما بعد " الحادث "، فلا يحلل الأسباب التى أدت إليها أو تسببت فيها إلا قليلا.
حدود المحاكم لا تتعدى حماية الحريات، باعتبار "خصوصيات الأفراد" أساس فلسفة التشريع، لذلك كثيرا ما تختلف نظرة القاضى، عن رؤية الفقيه الدينى.. فى واقعة واحدة.
ففى إطار حفاظه على الحريات، لا يجرم القانون اختلاء الرجل بالمرأة الأجنبية فى مكان، ما دام المكان ملكا خالصا لأحدهما، ولا يطعن قاضى فى "شروعهما" فى خطيئة، أو اقترابهما من "ذلة"، فى الوقت الذى يتحفظ فيه الشرع.. ويحذر من بدايات المفاسد، التى تؤدى فى نهاياتها.. للمهالك.
لا يعاقب القانون على "النوايا"، لكن "الشرع" يدخل فيها لتقويمها، ولا تجرم المحاكم الخاطىء من الأفكار، رغم أن الفكر السليم "عبادة" فى الدين، وغاية فى الشرع، قرار منع النقاب فى امتحانات الجامعة لا كان قرارا تعسفيا، ولا كان مطلبا فى غير محله، ومنعه بين الطالبات لم يكن افتئاتا على "عرف"، ولا طعن فى "تقليد".
شرعا ليس للنقاب فى كتاب الله لا وقائع ولا نصوص، إضافة إلى أنه لم يرد به فى السنة أو الأثر النبوى إقرارا أو قبولا.
ثم إن "النقاب" ليس مجرد زى، كما أن "الإسدال" ليس فقط عباءات مصنوعة فى الهند وايران، النقاب طريقة تفكير ضربت الإسلام، فتسللت مع الملابس، سمات دينية خرافية، ومرق مع "المظهر" اضطراب عقيدى.. يؤدى فى نهاياته لـ "كوارث"، لا يعاقب عليها القانون حتى تقع، ولا تنظر إليها المحاكم.. إلا إذا تمت.
* مساعد رئيس تحرير جريدة روز اليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة