منذ قيام الثورة الإسلامية فى إيران وهى لم تأل جهدا فى تصدير مبادئ تلك الثورة إلى دول المنطقة، فهى تسبب صداعا مزمنا وعوارا لا ينتهى لتلك الدول التى كان آخرها اليمن عن طريق الأفكار الإيرانية التى تبناها الحوثيون فعملوا على إثارة القلائل داخل اليمن وخارجه بعد أن وصل إزعاجهم الى المملكة العربية السعودية، ولم يكن التدخل الإيرانى فى الدول العربية تدخلا فكريا وحسب، بل هو أيضا تدخلا مخابراتيا مثلما هو الحال فى لبنان عن طريق ذراعها الأيمن حسن نصرالله، والذى بدوره، واقتداءً بالمثل الأعلى، حاول نقل هذه القلاقل إلى مصر، غير مكتفٍ بالمشكلات التى تعانيها لبنان بسبب إصراره على أن يكون دولة داخل الدولة.
كما أنه غير خاف على أحد الدور الذى تلعبه إيران فى دول الخليج، ابحث عن كل نزاع داخلى بين السنة والشيعة فى السعودية والكويت البحرين وغيرهم من الدول؛ تجد إيران هى المغذية والداعمة له، إما عن طريق التأييد المباشر بضخ الأموال فى وسائل إعلامية ودعائية هدفها هو التعمية والتغطية وخلط المفاهيم أو غير المباشر وذلك باستقطاب كبار القادة السياسيين فى هذه الدول وإبرام المعاهدات والاتفاقيات معهم، كما أن الساسة الإيرانيين يجيدون اللعب على عواطف ومشاعر الشارع العربى الذى قد يعجب بتلك الخطب الثورية الجوفاء المملوءة بالإصرار المستميت على إكمال المشروع النووى رغم تحذيرات المجتمع الدولى، وطبعا هو خطاب ليس تصاعديا أو على نمط واحد مستقيم دائما، إنما هو يتلون ويتغير وفقا لأسس المرواغة الإيرانية التى أتقنها القادة والساسة الإيرانيون بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على الثورة، فتارة تلك الطاقة النووية هى للاستعمال السلمى وتارة أخرى يبشروننا بأنهم قاب قوسين أو أدنى من صنع أسلحة نووية، ورغم أن البعض يرى أن السياسة هى فن المرواغة، إلا أن تلك المراوغة تصبح حماقة إذا عادت بالبلاء على البلد وعلى جيرانه.. وهى ما تجرّنا إيران إليه.. فالمجتمع الدولى لن يسمح لدول مثل إيران أو كوريا الشمالية بامتلاك أسلحة نووية.
إيران تعانى هذه الأيام من مشكلات كبيرة تضع علامات استفهام حول الحرية والديمقراطية التى كانت تزعم الثورة الإيرانية أنها تحملها.. وكان الأجدر بقادة إيران الالتفات الى تلك المشاكل الداخلية ومحاولة حلها حلا سلمية بدلا من الاعتقالات والإعدام العشوائى للمعارضين والمتظاهرين وإلقاء تهم العمالة جزافا على العديد من أبناء الثورة معطية صورة سلبية وسوداوية عن البلاد وكأن الثورة تأكل أبناءها.
إيران ما فتئت تتهتم الدول الغربية بالتدخل السافر فى شأنها الداخلى، وأن أمريكا ودول أوروبا هم السبب فى كل تلك المظاهرات والاضطرابات التى تعانى منها البلاد، وهو اتهام لم تستطع إيران حتى الآن أن تثبته بالأدلة الدامغة.. ولا نستطيع أن ننفيه.. ولكن نعلق عليه بأن التدخل الخارجى فى الشأن الداخلى هو بضاعة إيران التى كانت تصدرها إلى دول المنطقة، لكن يبدو أن تلك البضاعة ترجع إليها.. ولكن من طريق آخر.
