خالد صلاح

هذه السخافات تجدها فى بعض الصحف القومية والمعارضة والمستقلة، وتجدها فى حوارات السياسيين المعارضين أو الإسلاميين أو من نواب الأغلبية، كلهم يتحولون إلى مشجعين متعصبين سراً، ثم إلى حكماء وفلاسفة فى العلن

لا سياسة فى الكرة.. ولا كرة فى السياسة

الثلاثاء، 02 فبراير 2010 11:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذه السخافات تجدها فى بعض الصحف القومية والمعارضة والمستقلة، وتجدها فى حوارات السياسيين المعارضين أو الإسلاميين أو من نواب الأغلبية، كلهم يتحولون إلى مشجعين متعصبين سراً، ثم إلى حكماء وفلاسفة فى العلن

هذه السخافات تثير الضحك على أحوال السياسة والصحافة فى مصر.. خذ مثلا يا أخى تلك المقارنات المكررة والمملة بين الكرة والسياسة، بعد كل انتصار يحققه المنتخب الوطنى، وبعد كل فرحة تعم أرجاء البلد بانتزاع كأس جديدة..

مؤسف أن تجد كل هؤلاء الذين يتسمرون أمام شاشات التليفزيون، ويلغون كل مواعيدهم المهنية والسياسية والصحفية والعائلية لمشاهدة المباراة، ويتفرغون لصب لعناتهم على كل ركلة وتمريرة وتسديدة فى الملعب، ويفتكون بعشر علب سجائر طوال التسعين دقيقة، ويعدلون لحسن شحاتة فنيات كرة القدم، يخرجون عليك فى اليوم التالى مباشرة، ودون أى خجل، بمقالات صحفية ساخنة تدعى الحكمة والرزانة، أو ببيانات سياسية نارية تتقمص الموضوعية وبعد النظر، يلعنون فيها كرة القدم، ويصفون الشغف الجماهيرى بالمنتخب الوطنى، بأنه (حقنة المخدر التى يقدمها أهل الحكم للشعوب لتنشغل عن همومها الحقيقية، وتبتعد عن قضاياها السياسية).

هذه السخافات تجدها فى بعض الصحف القومية والمعارضة والمستقلة، وتجدها فى حوارات نخبة من السياسيين المعارضين أو الإسلاميين أو من نواب الأغلبية فى البرلمان، كلهم يتحولون إلى مشجعين متعصبين سرا، ثم إلى حكماء وفلاسفة فى العلن، وجميعهم يصرخ كالأطفال مع كل هدف لمنتخب مصر، ثم يسخر من فرحة الناس، ويلوثها بالمقارنات السياسية العبيطة من عينة: لماذا يستغل الحزب الوطنى فوز المنتخب؟ أو لماذا سافر علاء وجمال مبارك إلى أنجولا؟ أو كيف نجحت الحكومة فى إلهاء الناس عن قضايا السيول وإبراهيم سليمان، بسبب فوز الفريق الوطنى؟

فى تقديرى هذا الكلام (عبيط جداً)، ويفسد أجواء الفرحة العارمة والرائعة بهذه البطولة التاريخية بكلام ساذج ومختل، ولا مكان له فى الحقيقة، ولا مساحة له فى الضمير الشعبى للبلد، فلا الناس تنسى همومها الأساسية، ولا تتجاهل القضايا العاجلة على الأجندة الوطنية، ولا تغمض العين عن قضايا الفساد السياسى أو المالى، ولم تنس ضحايا السيول أو حتى ضحايا هاييتى، الناس تفرح ببراءة، حين تشعر أن البلد يستحق هذا الفرح، والناس تغضب ببراءة أيضاً، حين ترى أن الوقت يحتاج إلى غضبها الجارف، دون خلط بين الكرة والسياسة، ودون تعسف فى التنظير الأحمق والحكمة المزيفة.

المزعجون فقط من هذه النخبة المتفذلكة وتنظيراتها المريضة، هم الذين يخلطون بين الفرحة والحزن بلا مبرر أو منطق، هم الذين يريدون للناس أن تكتم فرحتها قسرا، أو تعلن غضبها فى غير موعده. المتحذلقون من بيننا فقط هم الذين يخلطون أفراح الكرة مع هموم السياسة دون تمييز أو تدقيق، هم الذين يحترفون العكننة على الناس، حين يعكرون صفو النصر الكروى الرائع فى أنجولا، بالإحباط الداخلى فى البلد.

دعوا الفرحة والفخر والكبرياء الوطنى يأخذ مجراه بهذه الأعلام الرائعة التى تعلو كل الرؤوس، وتزين كل البيوت فى مصر، ولا تفسدوا فرحة الناس بلصق هذا الانتصار بالسياسة، أو بمعايرة الناس بفرحتها، وكأنهم هجروا صلاة الجماعة عمدا، أو ناموا دون أن يؤدوا صلاة العشاء، الناس تعرف الحدود الفاصلة بين فرحتها بانتصارات كرة القدم، وبين همومها فى المعارك الداخلية، الناس أذكى وأرقى من هذه النخبة السياسية والصحفية ضيقة الأفق وعديمة الحيلة، الناس تعرف كيف تفرح بمجدها الكروى دون أن تخسر عزيمتها فى مواجهة مشكلاتها الداخلية، الناس لا تحتاج إلى من يفسدون لحظات الانتصار باستدعاء لحظات الضعف والهزيمة، أو التنابز بين الحكومة والمعارضة، أو بين المتفذلكين والمنافقين فى البلد.

الناس لا تصدق هؤلاء ولا هؤلاء، لا تصدق من يحاول أن يصنع من الانتصار مجداً سياسياً للحكومة، ولا تصدق أيضاً من يحاول أن يسخف من الانتصار ويصوره باعتباره درعا تحتمى بها الحكومة.

الناس فرحت بحسن شحاتة وأحمد حسن وناجى جدو وزيدان وعصام الحضرى، ورفعت صورهم هم وحدهم، وفرحت بهم وحدهم، الناس رفعت علم مصر لا علم حزب الأغلبية أو صورة أحمد نظيف، الناس أذكى منكم جميعاً، لا تفسدوا عليهم فرحتهم بالعكننة والفذلكة والتنظيرات الكاذبة، والتراشق السياسى الأجوف.












مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة