فى إحدى ليالى مارس 2008 باعت عاهرة شريط فيديو لصحيفة بريطانية واسعة الانتشار. كانت هى واحدة من خمس عاهرات قضين لتوهن ليلة حمراء غريبة الأطوار مع شخصية عامة فى حى تشيلسى الراقى فى وسط لندن.
لم تكن هذه الشخصية العامة سوى السيد ماكس موزلى، رئيس الاتحاد العالمى للسيارات، الذى يسيطر على عدد من الأنشطة العامة من بينها مسابقات رياضة الفورميولا واحد، وهى الرياضة ذات الشعبية الطاغية والأكثر ثراءً بين كل الرياضات على وجه الكرة الأرضية.
لم يكن ثمة شك لدى رئيس التحرير فى أن هذا خبر يهم ملايين الناس كونه يتعلق بشخصية مسئولة رفيعة المستوى، فملأ صحيفته بلقطات ساخنة من الفيديو وشرح مستفيض لأحداثه وأحاديثه. وقد زادت حماسته واقتناعه بـ«إجرام» السيد موزلى و«انحطاط أخلاقه» عندما لاحظ أن هذا كان يتعمد، كما هو واضح فى الفيديو، أن يتحدث بلهجة ألمانية بينما كان يتبادل مع العاهرات تمثيل أدوار ضباط نازيين ونساء يهوديات فى معسكر اعتقال يتم فيه تفتيش صحى على أماكن حساسة.
أمام هذا رفع السيد موزلى قضية فى إحدى المحاكم فى لندن على أساس أن الصحيفة انتهكت حياته الخاصة. صارت القصية قضية رأى عام صدر بعدها بأربعة أشهر حكم يدين الصحيفة ويلزمها بدفع تعويض مادى للرجل وبتحمل كل التكاليف القضائية، وهو ما وصل إجماليه فى النهاية إلى ما يعادل أكثر من ثلاثة ملايين دولار. سيندهش البعض من مثل هذا الحكم، خاصة أن القضية تزيد تعقيداً بإضافة ذلك العنصر «النازى» إليها فى ظل سطوة بالغة للوبى اليهودى على أمور بعضها أكثر تفاهة تصدر عن شخصيات أقل أهمية. لكن الفاصل فى هذا مبدأ يبدو بسيطاً وهو فى الواقع مبدأ يقع ليس فقط فى صلب العمل الصحفى بل فى صلب الحضارة الغربية كلها. عليك أن تسأل نفسك قبل أن تنشر (أو قبل أن تصدر حكماً شخصياً): هل الباعث وراء ذلك هو شغف الناس Publics Interest أم أنه مصلحة الناس In The Interest Of The Public. فإذا كان مجرد «الشغف» هو الباعث فقد ارتكبت جريمة بوضع أنفك فيما لا يخصك. كيف يصح ذلك إذن ونحن نتحدث عن شخصية عامة؟ يصح لأن الفعل الذى نتحدث عنه لا علاقة له بطبيعة المنصب أو الموقع الذى جعل من ذلك الرجل شخصية عامة ولا يؤثر سلباً أو إيجاباً فى قدرته على القيام بالمهام الوظيفية المتوقعة منه. متى كان يمكن له إذن أن يؤثر؟ كان يمكن له أن يؤثر لو كان الذى دفع فاتورة تلك الليلة مثلاً مايكل شوماخر طمعاً فى أن يرد له الرجل الهدية فى مضمار السباق.
بناءً على هذا، لو كان هناك مجال للمقارنة أصلاً بين المشهدين، متى كان يحق لنا أن نحاسب نجم المنتخب المصرى لكرة القدم، محمد زيدان، على قبلة، ساخنة أو غير ساخنة، اقتسمها مع صديقته الدنماركية أو غيرها؟ لو حدث هذا مثلاً ليلة المباراة النهائية، وسيكون علينا فى الوقت نفسه أن نثبت تأثير ذلك بشكل مباشر فى أدائه لدوره الذى يجعل منه فى عيوننا شخصية عامة. إذا لم نستطع فلابد أن نكون على استعداد لدفع ثلاثة ملايين دولار لأننا حشرنا أنوفنا فيما لا يخصنا ووضعنا أنفسنا فى موضع الخالق، حاشا لله، فى الحكم على الناس. لك رغم ذلك إن شئت أن تبقى على اختلافك مع زيدان أو حتى تحتقره فى قرارة نفسك، وهذه حريتك الشخصية التى لا يحق لأحد بالمقابل أن يحاسبك عليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة