يقتضينا الإنصاف أن نوجه تحية إكبار للأستاذ محمد مهدى عاكف المرشد العام للإخوان (سابقا) بعد أن ضرب مثلا غير مسبوق فى حياتنا السياسية العربية والمصرية والحزبية، بإصراره على عدم التجديد له فترة ثانية، رغم حقه فى ذلك لائحيا، ورغم ضغوط إخوانه عليه من داخل مصر وخارجها للبقاء فى موقعه.
وربما كان الأستاذ عاكف من أكثر مرشدى الإخوان تعاملا مع وسائل الإعلام، وربما لم يمتلك الرجل القدرات اللازمة لمواجهة الكاميرات، وأسئلة الصحفيين، مما أوقعه كثيرا فى تصريحات أضرت به وبالجماعة التى يقودها، حتى اعتبره البعض أنه يحدث أزمات بعدد ما يجرى من حوارات أو يدلى من تصريحات، وهو ما جعل الرجل محلا للنقد المتواصل والشديد.
كان الأستاذ عاكف يتعامل مع وسائل الإعلام بتلقائية شديدة، وبعفوية مفرطة، لا يزن الكلام ولا يحسبه ولا يقدر عواقبه، رغم تربص الإعلام، ورغم محاولات الإخوان أن يثنوه عن التحدث للصحافة.
وبلا شك، فقد تلقى الرجل كما هائلا من النقد، ووضع نفسه على منضدة التشريح الإعلامى والصحفى، تعمل فيه الأقلام عملها، وهى أقلام مختلفة الاتجاهات والمشارب، بل ومختلفة الأغراض والنوايا، منها العالم والجاهل، ومنها المشفق والشامت، ومنها الناصح المتجرد، كما أن منها المتربص المتصيد، ولم يكن بوسع أحد أن يدافع عن الرجل، فقد قدم المبرر، ووقع فى الغلط.
وكاتب هذه السطور يحمل فى عقله وقلبه أطنانا من النقد الجوهرى الشديد للإخوان المسلمين، وهو نقد يشمل فى الإخوان جانبهم النظرى الفكرى، والعملى السياسى، والتنظيمى الإدارى.. لكنى أرى أن الأستاذ عاكف يستحق منا الآن التحية والإشادة، حيث وفى الرجل بتعهده الذى قطعه على نفسه فى الأيام الأولى من توليه قيادة الجماعة بأن لا يقبل التجديد لفترة ثانية، فى موقف عز نظيره، وفى بلد اعتاد التأبيد فى المناصب حكومية كانت أو شعبية، ليكون أول من يحظى بلقب المرشد العام السابق للإخوان المسلمين، وهو لقب لم يعرفه الإخوان فى تاريخهم الممتد عبر ثمانية عقود.
لقد عمل الأستاذ عاكف لما يعتقد أنه الصواب، ومرت عليه أحداث جسام، وأوقات عصيبة، وفى أسطر حياته حكم بالإعدام، وربع قرن من السجون، وتولى مسؤولية الإخوان فى ظروف صعبة، سواء على مستوى الدولة المصرية أو على مستوى الداخل الإخوانى، وكان الإعلام جزءا هاما من هذه الظروف الصعبة، حيث كانت تصريحات الأستاذ عاكف تعكس كثيرا من مناطق الخلل فى التفكير السياسى للإخوان، فأصاب الرجل وأخطأ، وأحسن وأساء.
وإذا كانت الأعمال بالخواتيم، فقد كان الختام الحركى للأستاذ عاكف مشرفا وباهرا، ومثلا قائما للإخوان ولغير الإخوان، فله منى أرق التحايا، وأصدق الدعوات بالصحة والعافية.
باحث فى شئون الحركات الاسلامية