وصف الدكتور "صلاح قنصوة" أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بأكاديمية الفنون "المد السلفى" بأنه عرض من أعراض الأمراض التى يعانى منها المجتمع، مضيفاً أن مفهوم المواطن المصرى تم القضاء عليه فى عهد عبد الناصر، وأن السادات كان يدخن "البايب" ويصدر قرارات، ولا يجد من يعارضه؛ لأننا شعب بلا مواطنين. كاشفاً فى حواره "لليوم السابع" عن رؤيته للواقع وقراءته للتاريخ .
كمفكر ليبرالى، هل تظن أن المناخ السياسى والاجتماعى ملائم لنمو الليبرالية؟
المجتمع العربى حالياً ليس مناخاً مناسباً لنمو الليبرالية التى تقوم على الاقتصاد الحر والتعددية الحزبية، ولن تقوم ليبرالية حقيقية إلا من خلال تعديل الدستور؛ لأن القانون له قوة تحفظ وتؤمن الأجواء الديمقراطية، فلا بد من تعديل المادتين 76،77 من الدستور.
هل تستطيع حركة الإصلاح الإسلامى أن تحدث نهضة عربية؟
لا أعتقد ذلك فالتسمية "إصلاح إسلامى" تقصر الإصلاح على الإسلاميين فقط، وتمنع قيام أى نهضة إلا من خلال الإسلاميين فلماذا لا نقول إصلاحا اشتراكيا أو ليبراليا مثلاً، فالتعبير إصلاح إسلامى يفرض سطوة على الآخرين الذين لا ينتمون إلى هذا الدين، ونحن فى المجتمع العربى لدينا العديد من التيارات الفكرية المختلفة وكذلك الأقباط، فأنا أرفض هذه التصنيفات.
هل تشعر أن المعركة حسمت تقريباً لصالح السلفيين، بعد أن عجز العلمانيون والليبراليون عن مواجهة الرأى العام بأفكارهم؟
المد السلفى ليس اقتراحاً لحل المشكلة؛ بل هو عرض من أعراض الأمراض التى نعانى منها، ولا يصح أن نضع اختيارات، ونفاضل بين السلفية والليبرالية لأن "السلفية" مرض نعانى منه، وليس اقتراحاً للحل.
وما الحل؟
الديمقراطية هى الحل الوحيد والوضع التسلطى للدولة من 52 إلى الآن، لا بد أن ينتهى بتعديل الدستور الذى سيصحبه بطبيعة الحال تعديلات اجتماعية تقضى على أعراض الأزمة؛ فنحن نعانى من مرض واحد هو "نقص المناعة الديمقراطية"، وتختلف أعراضه وتتنوع ما بين مشكلات اجتماعية يعانى منها الشباب، ومشكلات فكرية مثل سيطرة الإسلاميين.
وهل علينا أن ننتظر "لحظة التنوير" التى تهب فيها الجماهير تطالب بحقوقها، وتحتج على الأوضاع القائمة مثلما حدث فى ثورة 1919؟
لحظة التنوير التى تتحدثين عنها؛ هى نتيجة وليست حلا، نتيجة لإصلاح الأمراض الاجتماعية القائمة، وشفاء الرأى العام منها؛ فيتنبه للمطالبة بحقوقه، وتحدث لحظة التنوير؛ لذلك فعلينا أن نعالج المرض بديمقراطية حقيقية تترتب عليها كافة الحلول ويحدث التنوير، ومع احترامى للرئيس عبد الناصر الذى كان رجلاً وطنياً "على عينى ورأسى" لكنه كان أول حاكم يفقد المواطن المصرى هويته وشخصيته؛ فاستطاع "عبد الناصر" أن يرفع شعار "لا وجود للمواطن" فمن كان يعارضه يعتقل فوراً أو يعمل مخبراً لديه، وأكبر دليل على ذلك المظاهرات التى قامت تطالبه بألا يتنحى؛ لأنه أفقدنا القدرة على التفكير أو تصور البديل، وأنا عن نفسى اعتقلت فى عهده، وعندما قرر التنحى خرجت "بالشبشب" مع آلاف الجماهير أطالبه بالتراجع.
ولكن "عبد الناصر" كان لديه مشروع قومى، وأحلام وحدوية، ورؤية للمستقبل، فهل تنكر ذلك؟
عبد الناصر ردم البرك والمستنقعات، وشق الترع، والأنهار، وبنى السد العالى، ولكنه منع وجود مواطن يعتمد عليه، ولا يصح أن نقيم التجربة، ونذكر سلبياتها وإيجابياتها؛ فالتاريخ يقيم التجربة كاملة، وهو ما يؤكد "انتحار المواطن المصرى فى عهد ناصر".
لكن ألم تنجح الثورة فى إخراج الملك، والقضاء على الاحتلال؟
ما حدث عام 1952 انقلاب عسكرى وليس ثورة، هو انقلاب مجموعة من الضباط على الملك دون وجود إرادة للشعب، أو دور فيها حتى نطلق عليها ثورة، والثورة تعنى أن الشعب منذ البداية اختار طريقه، له أعداء وله مؤيدون، وهو ما يتناقض مع ما حدث، فما حدث تحديداً هو انقلاب "شلة" من الضباط على الملك، وقلب نظام الحكم، والدليل على ذلك عدم وجود مشروع محدد لهم، أو أجندة سياسية، أو رؤية للمستقبل.
وهل ما فعله السادات كان "تصحيحاً حقيقياً"؟
ما فعله السادات دليل قوى على عدم وجود مواطن بعد انتحر على أيدى عبد الناصر، فقد كان السادات يدخن "البايب" ويصدر قرارات، ولا يجد من يعارضه لأننا شعب بلا مواطنين، وقد فسر علماء النفس طريقة حكم السادات بمن يملك ولا يحكم، فناصر كان يسارياً، والسادات يمينياً؛ وهى نتيجة واحدة لغياب المواطن.
هل ترى أن حل تلك الأزمات الفكرية يقع على عاتق المثقفين والنخبة؟
لا وجود للمثقفين فى مصر، ولا أعترف بما يسمى طبقة المثقفين فاذكرى لى موقفًا واحدا ومحددا استطاعت فيه هذه الفئة أن تطالب بحقوق الشعب، أو حتى بحقوقها، وسأعود لأقول أن ذلك يرجع أيضاً لغياب المواطن وبالتالى غياب المثقف.
وبم تفسر حصولك على جوائز الدولة الثلاث، التفوق والتشجيعية والتقديرية، رغم ما عرف عنك من معارضة للسلطة؟
لا أجد تفسيراً لذلك حتى الآن، فربما كانوا نائمين أو مغيبين عن الوعى عندما قرروا منحى هذه الجوائز، أو أن "حد بيحبنى كان بيدعيلنى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة