كنت أجلس على مقهى عبد الحليم حافظ فى وسط البلد، كعادتى عندما أهرب من عناء العمل وأحاول الحصول على قسط من الراحة الذهنية وسط حالة من السمو النفسى، وأغانى عبد الحليم التى أعشقها، فى هذه اللحظات لا أريد سوى سماع صوت "حليم" ليبعدنى قليلاً عن جو العمل من حوادث وقضايا وأحوال البلد التى أصبحت تسر العدو قبل الحبيب!! وفى لحظات الاستمتاع وأنا أشرب النسكافيه الساخن جاءنى هاجساً على غير العادة يسألنى: ماذا لو أصبحت رئيساً للجمهورية؟.. وفى غمضة عين كنت سأسكب النسكافيه على ملابسى ووقفت قليلاً ثم جلست وبدأت تنتابنى حالة من الشجاعة التى لا أعرف من أين جاءت؟.. وأخذت أردد فى نفسى ولماذا لا أصبح رئيساً للجمهورية؟.. فأنا شاب فى بداية الأربعينيات، ووالدى عامل مصرى كافح من أجل تربيتى، ذاق الذل من أجل تعليمى أنا وأشقائى، صحيح لم أسافر وأتعلم فى الخارج، ولكنى تعلمت كيف أكافح وكيف ابنى نفسى بنفسى وذقت كل أنوع "المرمطة" فى تعليمى!!.. ووقفت مرة أخرى وجلست ثانياً وقلت: لو كنت رئيساً للجمهورية ماذا سأفعل؟!.. وتنهدت قليلاً وأخذت نفساً عميقاً شهيقاً وزفيراً وقلت: لو كنت رئيساً لقمت على الفور بتحضير وتشكيل لجنة عليا من حكماء وعلماء وسياسيين لإعداد دستور جديد فى البلاد يحقق المواطنة بأسلوبها العادل والعدالة الاجتماعية على سائر البلاد والعباد، وأن يكون الترشح للرئاسة من خلال مرشحين دون تعجيز أو إخلال بهذا المنصب الرفيع، وأن أكون رئيساً للمصريين جميعاً، لا أنتمى لأى حزب أو جماعة، وأن أقوم بتشكيل لجنة تأسيسية أخرى لإجراء انتخابات نزيهة يكون الشعب هو الرقيب عليها، وأن يختار الشعب من يمثله، ويتم تشكيل حكومة برلمانية يستطيع نواب الشعب الذين جاءوا بإرادة الشعب وليس بإرادة السلطة محاسبتها أو إقالتها إذا ثبت فسادها أو إخلالها بحق المواطن التى جاءت من أجله.
بل سأقوم على الفور بإعلان عقد اجتماعى جديد فى البلاد وأقوم فيه بدعوة كل علماء وعقول الدولة من الخارج والداخل لتأسيس هيئة كبرى مهمتها التخطيط لوضع البلاد على خريطة البحث العلمى من خلال تغيير مناهج التعليم وتوفير كافة الموارد لنهضة التعليم والصناعة، وأيضاً الزراعة، ولن أكتفى بذلك بل سأقوم بإصلاح سياسى واجتماعى فى البلاد بالقضاء على شلل الفساد والمفسدين فى كافة مناحى العمل العام والخاص وتوفير الحياة الكريمة للموظف والعامل وأصحاب المهن من خلال توزيع ثروات البلاد المفقودة فى الخطط العشوائية وبطون الكبار!!
إن هذه الخطوات ستكون أولى الخطوات لنهضة البلاد من الغيبوبة وحالة الفقر الاجتماعى والسياسى والعلمى دون المساس بحرية المواطن وآدميته، مع الحفاظ على الأمن القومى للبلاد، وأمن المواطن وحريته فى أن يختار من يمثله دون تضييق أو خناق أو تخويف، بعد أن أقوم بأول قرار وهو إلغاء قانون الطوارئ وجميع القوانين التى تحد من الحريات وتغتصب حقوق المواطن الذى جاءت من أجله. وبعد أن قمت بتفريغ بعض ما فى نفسى من أحلام وأمنيات جلست قليلاً وطلبت كوباً آخر من النسكافيه وقلت فى نفسى بعد أن هدأت و"صواميل ركبى رجعت إلى قواعدها سالمة": رئاسة إيه يا ابنى؟.. أتتحمل أن تقف بين يدى الرحمن يوم القيامة ويسألك لماذا لم تمهد الطريق لهذه الدابة التى تعثرت قدماها وليس الإنسان؟.. ولماذا لم تقم بإطعام الذين ينامون ليلاً بدون طعام أو غطاء؟.. ولماذا لم توفر لهم سكناً آمناً وحياة مطمئنة؟.. ولماذا تركت رجالك الفاسدين وتنابلة السلطان يأكلون حقوق العباد ويسرقون وينهبون ويعتقلون ويظلمون؟.. ولماذا؟.. ولماذا؟.. ولماذا؟! وساعتها فقط وبعد أن وجدت جسدى ينتفض، قررت أن "أمشى جنب الحيط" وأن أبعد عن أى أحلام أو هواجس أو مناصب أو مسئوليات.. لكى يرضى عنى رب العباد.. وتركت عم عبده وكوب النسكافيه وعبد الحليم حافظ وقلت: "يا فكيك"!!
* صحفى بالوفد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة