"رحيق العمر" هو عنوان أحدث كتب د.جلال أمين التى دخل بها سباق معرض الكتاب هذا العام، وقد صدر عن "دار الشروق" وينتمى إلى أدب السيرة الذاتية، وهو الجزء الثانى من كتابه "ماذا علمتنى الحياة؟"، ولكن أمين يؤكد فى الوقت نفسه أن الرحيق ليس مكملاً للجزء الأول، بل هو موازٍ له وأكثر جرأة منه.
ومنذ الصفحة الأولى ستشعر إنك على موعد مع كاتب قرر أن يتعرى أمام قرائه فيطلعهم على أسرار نفسه، وعقله ومشاعره، ورحلته الفكرية التى تحول فيها من أقصى اليسار الماركسى إلى المنطقة التى تتوسط اليمين واليسار، فلا هو ماركسى محض ولا هو رأسمالى بحت.
وبين دفتى الكتاب أيضاً سيقص لك أمين أيامه فى لندن حين كان يدرس الدكتوراه بجامعتها، وكيف كان لقائه بزوجته ورفيقة عمره الإنجليزية "جان" ولا ينسى أن يطلعك على علاقته بالبولندية الجميلة التى كان يرافقها فى أيام بعثته الأولى قبل لقائه بجان،
وبأسلوب طريف يؤكد أمين على ندمه الشديد من ابتعاده عن ممارسة أى علاقة حميمية مع الجنس الآخر حتى بلغ 24 عاماً فيقول "عندما أفكر فى هذا الأمر الآن، كم تبدو لى الخسارة فادحة!"
ويمضى أمين فى كتابه ويحكى لنا علاقته بالماركسية والماركسيين، فيقول "كانت بداية قصتى مع الماركسية هى نفس بداية كثير من المثقفين وغيرهم، وهى الوعى بالمفارقة الصارخة في المجتمع بين غنى الأغنياء وفقرا الفقراء".
وهكذا استمر حماس أمين للماركسية نحو سنتين أو ثلاث قرأ خلالها ما جعله يبدأ فى الشك فى "الصدق الكامل" للماركسية وتطور هذا الشك إلى يقين بأن الماركسية وإن كانت تحتوى على أفكار مهمة وصحيحة فإنها لا تصلح كعقيدة، كما أيقن أن الجزء الفلسفى منها "المادية والجدلية" أقرب إلى اللغو منه إلى وصف الحقيقة".
ويشير أمين إلى العديد من الكتب والمراجع والدراسات التى زعزعت إيمانه بالماركسية للحد الذى جعله يلقى محاضرة فى نقد المادية الجدلية فى جمعية الاقتصاد، الأمر الذى أثار الدكتور فؤاد مرسى ودفعه للرد عليه بحدة بمقاله أخرى.
والكتاب الذى يقع فى 460 صفحة من القطع الكبير ويتضمن 22 فصلاً، لا يمكن اعتباره "سيرة ذاتية" خالصة وإن صنفه الكاتب كذلك، فإلى جانب السيرة الذاتية استطاع أمين أن يعيد القارىء ما يقرب من ستين عاماً إلى الوراء ليصف له كيف كانت مصر وقتها وكيف تبدل الحال الاقتصادى والاجتماعى وكيف تغيرت أحوال المصريين.
ويحلل أسباب ذلك بالقياس إلى نفسه وبطريقة حميمية لا تشعر القارىء أنه أمام عمل فكرى ضخم يعبث في أدراج التاريخ ويخرج منها ما كان خافياً أو مستتراً وقتها، وكأنه يضع لك الدواء فى الحلوى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة