داود عبدالسيد: أنا ضد تصنيف الفيلم لـ«الكبار فقط»والنظام السياسى ليس بريئا من التردى الذى وصلنا إليه
>> آسر ياسين: عملت أبحاثا فى «التهتهة» وتجربتى مع داود تصعب علىّ الاختيارات المقبلة
اليوم السابع: انتهيت من كتابة الفيلم منذ 7 سنوات تقريبا، ولكنه لم يخرج إلى النور سوى هذا العام.. لماذا كل تلك الرحلة الطويلة فى الإعداد والتحضير؟
- المخرج داود عبدالسيد: رغم إعجاب جهات إنتاجية كثيرة بالفيلم، إلا أنه واجه عقبات إنتاجية، ولم يشفع لهذه الجهات جائزة ساويرس التى حصل عليها السيناريو، ولا إعجاب وزارة الثقافة أيضا، وهذا ليس جديدا بالنسبة لى، فدائما ما تواجه أفلامى الكثير من العقبات الإنتاجية مثلما حدث لى أثناء تحضيرى لفيلم «الكيت كات»، وليس من أساسيات مهنتى أن أضمن للمنتج تحقيق الفيلم أرباحا مادية، ولكن بدأت مؤخرا بعض الجهات الإنتاجية تتحمس لنوعية الأفلام الهادفة، إضافة إلى حدوث تغيير فى ذوق الجمهور عن الـ5 سنوات الماضية.
اليوم السابع: هل تسببت مدة تحضير الفيلم الطويلة فى إجراء أى تعديلات على السيناريو؟
- المخرج داود عبدالسيد: لم أجر أى تعديلات على السيناريو منذ كتابته -على ما أذكر- فى 2002، ولم أغير فيه حرفا واحدا.
اليوم السابع: هل أزعجك وضع الرقابة لافتة «للكبار فقط» على الفيلم؟
- داود عبدالسيد: أرفض تصنيف الفيلم، وليس كما قال رئيس الرقابة على المصنفات الفنية سيد خطاب من أن «رسائل البحر» يناقش «شرعية الحب مقابل شرعية الزواج»، والإسلاميون قالوا إنه يناقش قضية تعدد الزوجات، وهذا ليس حقيقيا، لأن «أحمد كمال» فى الفيلم والذى تجسد بسمة دور زوجته الثانية تزوجها بهدف المتعة فقط، والفيلم يتضمن محورا يناقش فيه شرعية الزواج، ولكن ليس كل العمل يدور فى هذا الإطار، حيث يناقش الفيلم الشرعية القانونية للزواج مقابل الشرعية الإنسانية لهذا الزواج، وليس الحب مقابل الزواج، وبصراحة منذ عرض الفيلم، وأنا أسمع تصنيفات مختلفة.
رياض أبوعواد: «رسائل البحر» يحمل عدة قراءات.. قراءة أخلاقية، وعلاقة التسامح، وقبول الآخر من خلال الحوار الذى دار بين «يحيى» و«فرانشيسكا» عن «نورا» وفكرة تقبله لها كما هى باعتبارها «مومس»، وقراءة طبقية عن الطبقة البرجوازية «المتوسطة» المتخبطة، وهناك أيضا القراءة السياسية فى المشهد الأخير من خلال تحالف وسيطرة قوة النظام ورأس المال..إضافة إلى المركب المكتوب عليه «القدس»، وهو بعد سياسى قومى عن القضية الفلسطينية، والمصير المجهول للوطن العربى الذى يربطهم نفس البحر.. هل كان أبطال الفيلم يضعون فى أذهانهم تلك القراءات أم احتفظ بها المخرج لنفسه؟
آسر ياسين.. بصراحة بعض من تلك القراءات لم أنتبه إليه فى مشاهدتى الأولى للعمل، وهذا يحتاج منى إلى رؤية الفيلم مرة ثانية، لاستنتاج المزيد من القراءات، كما لم آخد بالى إن المركب مكتوب عليها اسم القدس.
داود عبدالسيد ضاحكا: مش لازم تاخد بالك من كل حاجة، وكل الاستنتاجات والقراءات التى تم ذكرها الآن صحيحة، وقصدت تقديمها فى هذا الإطار ضمن أحداث الفيلم، كما حرصت على إبراز فكرة تقبل الآخرين كما هم، مثل حب «يحيى» لـ«نورا»، من خلال حواره مع «فرانشيسكا» جارته الإيطالية حول شخصية المومس، وضرورة تقبلها والتعامل معها كما هى دون أن يحاكمها أو يحاول تغييرها، ففكرة التسامح من أهم المضامين التى حرصت على إبرازها.
اليوم السابع: استطاع داود عبدالسيد أن يدير حركة ممثليه وإبداعهم بشكل هائل، فكان آسر ياسين بالنسبة له اكتشافا على حد تعبيره، فما تفاصيل التحضير لشخصية «يحيى»؟
- آسر ياسين: يحيى يعانى عدم القدرة على التواصل الفكرى والاجتماعى مع المجتمع حوله، لذلك أثناء تحضيرى للشخصية أجريت عددا من الأبحاث.
داود عبدالسيد مقاطعا: «مستقلا بذاته، وكنت دائما باكسر له مجاديفه».
ويستكمل آسر: بحثت كثيرا بين نوعية الناس التى تعانى من التعثر فى الكلام «التهتهة»، وبدأت أتعرف عليهم أكثر عن طريق الجلوس مع أطباء متخصصين فى هذا المجال، وعندما استقررت على الشكل اللائق بالشخصية فى الفيلم، عرضتها على الأستاذ داود، واتفقنا على الخيوط الرئيسية للشخصية و«التهتهة» والقدرة على تقديم درجات التهتهة التى ظهرت فى المشاهد بوضوح، فكانت تزيد عندما شعرت بالخوف من «قابيل»، وكانت تقل وأنا أتحدث إلى «نورا»، وبعد أن انتهيت من الفيلم أصبحت أسأل نفسى ماذا سأقدم فى الفترة المقبلة، فتجربتى مع داود تصعّب على الاختيارات التالية.
اليوم السابع: «نورا» شخصية محورية مهمة فى السيناريو وأجريت عدة اختبارات لاختيار الممثلة التى تجسدها، لماذا وقع اختيارك فى النهاية على بسمة؟
- داود عبدالسيد: فى هذا الجيل لا توجد نجمة امرأة قادرة على تحمل مسئولية فيلم، سوى الفنانة عبلة كامل، فهذا الجيل من النساء مظلوم فى السينما. وبدون زعل، وأتمنى ألا تتضايق بسمة من كلامى، فرغم عدم اقتناعى بأدوار كثيرة قدمتها بسمة، إلا أننى راهنت على بعض المظاهر الشكلية تجمع بينها وبين شخصية «نورا» فى الفيلم، وبعد بروفات عديدة نجحت بسمة فى الإمساك بخيوط الشخصية، وقدمتها بشكل أبهرنى، وأقنعتنى بأنه لا يجوز أن يكون هناك بديل لها فى هذا الدور.
اليوم السابع: كيف استطاعت بسمة تقديم وتوصيل تناقض الشخصية وازدواجيتها لنا فى الفيلم؟
- بسمة: عرض على فى البداية دور «كارلا» لكننى رفضت، وعندما عرض على داود شخصية «نورا»، عانيت كثيرا معها لأن تفاصيل الشخصية كانت تهرب منى، بسبب تباعد فترات التصوير، كما كنت فى احتياج شديد لبروفات أكثر للإلمام بتفاصيل ما وراء الشخصية أو خلفيتها التى لم تروها فى الفيلم، ويرجع الفضل فى ذلك إلى المخرج العظيم داود عبدالسيد الذى لم يبخل على بجلسات كثيرة، ولا أنكر أن «نورا» ساعدتنى على اكتشاف الأنثى التى بداخلى، وهو الجزء الذى كنت أحرص كثيرا على إخفائه بمزاجى وغصب عنى.
اليوم السابع: الراوى من أساسيات أفلام داود عبدالسيد.. بداية من «أرض الخوف» ثم «مواطن ومخبر وحرامى» مرورا بـ«رسائل البحر».. ما سر الراوى فى أفلامك؟
- داود عبدالسيد: يختلف الراوى فى كل فيلم من أفلامى، فالراوى فى «أرض الخوف» هو الشخصية «أحمد زكى» التى تأخذنا فى رحلة داخلية، أما الراوى فى «مواطن ومخبر وحرامى» فكان إما ساخرا أو متنبئ بالأحداث، أما الراوى فى «رسائل البحر» فتم توظيفه فى المونتاج لأنى شعرت بعد مونتاج الجزء الأول من الفيلم بنوع من الملل الناتج عن التطويل، فقمت بتوظيف الراوى وقتها بفكرة حوار «الأنا».
اليوم السابع: «قابيل» اسم الشخصية التى جسدها محمد لطفى فى «رسائل البحر».. هل يرمز اسم الشخصية لفكرة قتل الأخ لأخيه فى قصة «قابيل وهابيل» المعروفة؟
- داود عبدالسيد: اكتشفت براعة لطفى فى حفظ الدور وأدائه بالتفاصيل التى ظهرت لنا فى الفيلم، واسم «قابيل» يرمز إلى فكرة قتل الأخ لأخيه مثلما قتل قابيل هابيل، ولذلك فـ«قابيل» فى الفيلم يقدم رؤية مغايرة للحقيقة التاريخية مع اتخاذه قرارا بعدم القتل بسبب الجريمة التى سبق أن قام بها، وأدت إلى وفاة شاب بسبب «ضرب أفضى إلى موت»، أما دلالات باقى الأسماء فى الفيلم، فلم أقصد بها فرض رؤى بعينها على المشاهد، وأحب بصفة عامة 3 أسماء «أحمد.. يحيى.. يوسف».
اليوم السابع: كيف اخترت الممثلة «سامية أسعد» التى قامت بدور «كارلا»؟
- داود عبدالسيد: شاهدتها لأول مرة فى عرض مع إحدى الفرق الراقصة فى «داون تاون» مع الجامعة الأمريكية، وشعرت أنها مناسبة لدور «كارلا» الإيطالية، رغم إننى لم أرها تمثل وكانت ترقص فقط.
اليوم السابع: ما سر اختيار داود عبدالسيد للإسكندرية تحديدا؟
داود عبدالسيد: اختيارى للإسكندرية ليس عبثيا، لأن إسكندرية طول عمرها سابقة القاهرة فى التحضر والانفتاح، وتربطها علاقة وطيدة بالغرب مرورا بانفتاحها على الشام وسوريا.
اليوم السابع: هل سنرى بسمة وآسر فى فيلم جديد لداود عبدالسيد، استثمارا لنجاح «رسائل البحر»؟
- داود عبدالسيد: مع احترامى وتقديرى لبسمة وآسر، لا أعترف بمقولة «عشان دول نجحوا فى عمل خلاص، نكتبلهم فيلم تانى مع بعض» فلا أتعامل بهذا المبدأ، واختار الممثل المناسب للدور وليس العكس، ولكن هناك شخص واحد فقط أتعامل معه فى كل أفلامى وهو أحمد كمال لأنى أعشق تمثيله.
اليوم السابع: هل توقيت عرض الفيلم وسط هوجة الأفلام التى تروج للجنس المجانى المعروضة حاليا، يمكن أن تتسبب فى الإضرار به؟
- داود عبدالسيد: التوقيت لا يشغلنى، لأن الفيلم ليس مبتذلا، فنحن نوظف القبلة والحضن بشكل محترم، ولا يعنينى ما يعرض حاليا، فتطور العلاقة بين الشخصيات كان طبيعيا فى الفيلم، ولكن للأسف أصبح هناك تيار يهدف إلى إخصاء المجتمع والسينما، فلا يصبح لدينا قبلة أو حضن، وتناول سطحى للعلاقة العاطفية، وهو تناول ضد الطبيعة الإنسانية، واعتقد أن هذا يرجع إلى أن الجنس أصبح هاجسا عند هؤلاء، يريدون إلغاءه من الواقع، وعندما أقرأ مثل هذه التعليقات أشعر بالغيظ وأتساءل كيف وصلنا لهذه الدرجة من التفكير، واعتقد أن النظام «مفرمل» التغيير الذى ربما سيحدث، ورغم كل محاولات البعض لإخصاء المجتمع والسينما فكريا وفنيا، فإننى متفائل بالتغيير الذى يحدث عند الناس، وبخروج أجيال مثل بسمة وآسر ياسين، يؤمنون بالاختلاف وتقديم المضمون الجيد، بعيدا عن فكرة الزعامة والأحزاب، وقيادة نظيف وأحمد عز وغيرهما، وأنا لست مستعدا لتبرئة النظام السياسى فى مصر مما وصلنا إليه.
آسر ياسين: السينما بها التجارى والفنى، ولكى نعرف قيمة الأفلام الجميلة فنيا وفكريا، يجب أن يكون بجوارها الأفلام السيئة.
بسمة: تجربتى مع داود عبدالسيد جعلتنا فى مأزق صعب من الاختيارات، فكيف نختار بعد ذلك أدوارنا بعدما عملنا مع مخرج بقيمة داود عبدالسيد.
داود: لا أرى نفسى مخرجا، فالممثلون هم من يطورون من أنفسهم، ولا أقدم شيئا مختلفا مع ممثل غير موهوب.
أول تعاون مع أحمد المرسى وثانى مرة مع منى ربيع وثنائى ناجح مع راجح داود منذ «الصعاليك»....
تميز فيلم «رسائل البحر» بوجود عناصر فنية شديدة التميز، ساهمت بشكل كبير فى نجاح الفيلم، منها صورة مدير التصوير أحمد المرسى فى أول تعاون له مع داوود عبدالسيد، وجاءت الصورة مختلفة وتحاكى السينما الإيطالية، وموسيقى راجح داوود الذى اعتاد تكوين ثنائى ناجح مع عبدالسيد، منذ أول فيلم قدماه بعنوان «الصعاليك»، مرورا بمونتاج منى ربيع الذى جاء ناعما ومتناغما، وساهم بشكل كبير فى ربط المشاهد بالأحداث التراكمية من مشهد لآخر بعيد بسلاسة ومنطقية.
أحمد المرسى تحدث عن تجربته الأولى مع المخرج داوود عبدالسيد كمدير تصوير فى «رسائل البحر» ووصفه بأنه كان تحديا كبيرا بالنسبة له، وقد مشاهد «النوة» وتم تصويرها بكاميرتين، واستغرقت منهم يوما كاملا.
وعن تعاملهما معا، بحكم اختلاف الأجيال، أكد المرسى أن تجربته مع داوود عبدالسيد «جوازة ناجحة جدا» على حد تعبيره، وكنا بالنسبة لبعض عناصر مكملة، داوود عبدالسيد مفكر له ثقله، وأنا مواكب لأحدث التقنيات الحديثة فى مجالنا.
منى ربيع، مونتيرة الفيلم أكدت أنها تعشق العمل مع داوود عبدالسيد منذ تجربتها الأولى معه فى «مواطن ومخبر وحرامى» فهو مخرج يعشق عمله، ويحترم العاملين معه، ومن أحب المشاهد إلى قلبها هو الـ«Master scene» الذى جمع بسمة وآسر ياسين فى مشهد ليلة رأس السنة.
راجح داود أكد أن موسيقى الفيلم تتناسب مع رقى مضمونه ورسالته الإنسانية، واستغرق فى صياغتها شهرين بعد مشاهدة الفيلم مرتين تقريبا، وعن الدويتو الدائم الذى يجمعه بأفلام داوود عبدالسيد، برر راجح داوود هذا الديو بأنهما بدءا نجاحهما سويا من أيام «الصعاليك».
نجوم «رسائل البحر» فى ندوة «اليوم السابع»
رحلة «داود» الجديدة لإعادة اكتشاف السينما اللى بجد!
الجمعة، 12 فبراير 2010 12:17 ص
رحلة «داود» الجديدة لإعادة اكتشاف السينما اللى بجد!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة