فى ظل الاحتفالات العارمة التى عمت أرجاء مصر بعد فوز منتخب الساجدين بكأس الأمم الأفريقية، مازالت فلسطين تصرخ من ألم الاحتلال وتئن فى صمت، فالأقصى أسير وأهل غزة جيران لنا محاصرون يتضورون جوعاً، فالجدار من أمامهم والعدو من خلفهم.
ففى أثناء فرحة المصريين بمنتخبهم واصلت الحكومة المصرية استكمال بناء الجدار الفولاذى، ظناً منها أن الناس مازالوا يحتسون نبيذ الفرحة، ونسوا ما يجرى ما حولهم، زاعمة - من قبل - أن الجدار سيبنى حماية للأمن القومى ويكون ذريعة أمام أهل غزة حتى لا يخترقوا أرض سيناء، ويكون سدا منيعا أمام مروجى المخدرات وانتشار الدعارة.
ولكن دعنى عزيزى القارئ فى السطور القادمة أبطل مفعول هذه الحجج الفارغة، كى لا ينساق عقلك وراء هذه الحجج الباطلة التى لا تقنع صبياً فى العاشرة، فأقول بداية إن عدونا الأول هو الإسرائيليين فعلينا أن نلوى يديهم هم بدلا من الغزاويين، كما يجب محاصرتهم اقتصاديا واجتماعيا...إلخ، ويتوازى مع هذا الأمر تعمير سيناء، بل وتخصص لها الميزانيات الضخمة والخطط الإستراتيجية الطويلة الأمد.
لكن ما هو على أرض الواقع عكس ذلك، فسيناء بها أرض بيعت لمستثمرين إسرائيليين، وهى قضايا فساد كبيرة معروفة للجميع اتهم فيها بعض مسئولى الدولة، وهو ما يجعلنى أتساءل كمواطن أين الخطط التنموية التى تحفظ أمننا القومى، وتعمل فى الوقت نفسه على تشغيل الشباب العاطل، كما تزيد من تنشيط الاقتصاد المصرى فى ظل أزمة اقتصادية عالمية طاحنة.
فضلاً عن أن سيناء محرمة أصلا على المصريين أنفسهم، فإنه من المعروف أن من يقترب – مجرد الاقتراب – من هذه المنطقة فإنه يخضع للتفتيش الذاتى، وكأنه غريب عن أرضه لا يحق له التنقل فيها كيفما يشاء ووقتما يشاء.
كما أنه من المعروف أن الإسرائيليين يحتسون الخمر جهاراً نهاراً، بل يمارسون الدعارة فى وضح النهار على مرأى ومسمع من الجميع، فضلاً عن أن المخدرات تدخل من مصر من جميع حدودها، وأصلا إن تهريب المخدرات عبر الحدود لا يبرر إقامة جدار أساسا، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى إن بناء الجدار خوفاً من تكرار اقتحام أهل غزة لسيناء له ضرب من الخبل، لأن الغزاويين عندما اقتحموا غزة من قبل ما لبثوا إلا أن عادوا من حيث أتوا، ولو أراد الفلسطينيون - لا أقول الغزاويين المحاصرين - اقتحام سيناء ورفح لاقتحموها منذ الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، فكيف بمدينة محاصرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات وتقصف بأعتى الأسلحة الأمريكية، ولا يريد أهلها أن يتخلوا عنها ولو شبرا واحدا، فضلاً عن أن أهل فلسطين دون استثناء يعشقون ديارهم ووطنهم وليس لديهم استعداد للتفريط فيه، رغم ما يقدم لهم من إغراءات المالية، واسأل - إن شئت – مَـن تعرفه مِـن أهلها ما سعر متر الأرض فى مدينة القدس؟؟... بالطبع ملايين الدولارات!!!.
وإذا أرادت الحكومة المصرية أن تبنى الجدار الفولاذى بحجة حماية الأمن القومى فأليس هناك شعب تحكمه له رأيه ويعتد به ويوضع فى الحسبان، أى أنه من الواجب عليها قبل أن تقدم على هذه الخطوة أن تستفتيه شعبيا ولو مجرد استفتاء شعبيا "ديكور"، وهو لم يحدث، ومن هنا فأنا أشك فى أنشودة الديمقراطية المغناة.
ولنفترض جدلاً باطلاً – أن الأنفاق مع غزة بها مخالفة وتستخدم فى الوقت نفسه فى تمرير حياة بأكملها، أفمن المعقول إذا كانت هناك مخالفة تقع على الحدود أن تغلق أمام الجميع ويموت، أم نبقى عليها ونعالج ما بها من عيوب، وقياسا على هذا المنطق، فعلينا – إذن - أن نغلق جميع المستشفيات الحكومية، وفورا، ويموت المرضى كلهم، لأن بها تلوث.
وأقولها وبأعلى صوت ليس هناك أية اتفاقيات أو معاهدات أو نصوص دولية تنص على تجويع المدنيين، ولا يوجد قانون دولى يطلق حرية أية دولة فى تأمين حدودها، فحرية الدول مقيدة بحقوق الآخرين.
وقبل أن أختم مقالى هذه أطرح - عليك قارئى - عدة أسئلة لتجيب عليها بنفسك.
1- ما تفسير تلك الحفاوة الإسرائيلية التى رأيناها جميعاً فى الأوساط الإسرائيلية عندما أعلنت مصر أنها ستبنى الجدار؟
2- لماذا لم يفصح النظام المصرى عن الجهة التى تمول الجدار؟
3- هل المبالغ التى دفعت لتمويل الجدار من الميزانية العامة (مال الشعب) أم من أين، وفى مقابل ذلك ما الخدمات التى ستقدم للمواطن؟
4- ما هوية المصنع الذى يقوم بصنع الجدار؟، وإذا كان الجدار ستستورد خاماته لماذا لم نسمع عن المناقصات الخاصة به؟
عمرو محمد يكتب الجدار من أمامكم والعدو من خلفكم
الخميس، 11 فبراير 2010 08:53 م