هناك طريقان يتبعهما الأطباء لتشخيص المرض، إما الإثبات أو النفى. بمعنى أن يشك الطبيب من خلال الأعراض التى يشكوها المريض والمظاهر التى يراها هو فى مرض بذاته ويسعى إلى إثباته من خلال الفحوصات والتحاليل المختبرية، والطريق الآخر أن يضع الطبيب عدة تشخيصات ويبدأ فى استبعادها ونفيها واحدا تلو الآخر ليصل إلى التشخيص السليم.
وبالمثل يتحدث البعض فى السياسة فيدعون –مثلا- إلى اختيار شخص لأن غيره لا يصلح وغير مناسب للمنصب أى يتم الاختيار نتيجة استبعاد الآخرين، والطريق الآخر أن يتم اختيار الشخص لذاته وإمكانياته دون النظر لغيره.
منذ أن قرر –أو فكر- الدكتور البرادعى فى ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية انقسم الناس إلى قسمين مع أو ضد، والغريب أن كلا الفريقين يتبع أسلوب الاستبعاد وليس الإثبات، بمعنى أن من يعارضه يتحدث عمن هو (من وجهة نظره) أحق وأجدر منه بتولى المنصب وقيادة مصر ومن يؤيده لا يتحدث عن إمكانياته وقدراته ولكنه يتساءل ولماذا لا يرشح نفسه؟ وأن حق الترشيح مكفول للجميع والديمقراطية والانتخابات النزيهة...الخ وحديث اليوم باختصار: لماذا يرشح البرادعى نفسه (بالإثبات) وليس لم لا يرشح نفسه (بالنفى)؟
نؤيد البرادعى ونختاره لأننا نحتاج إليه هو دون النظر للآخرين نحتاج إليه فى ذاته.. فى شخصيته.. فى علمه .. فى فكره وثقافته.. فى علاقاته الدولية وخبرته السياسية .. نحتاج إليه فى إحساسه بالشعب والمواطن وشعوره بالأزمات التى تعيشها مصر.. نحن يا سادة نؤيد ترشيح البرادعى لأننا نحتاجه وليس لأن حق الترشيح للجميع أو نتيجة استبعاد الآخرين.
وتفصيليا، فبالنسبة للسياسة الخارجية من العبث إضاعة الوقت فى إثبات قدرته وكفاءته التى يعرفها القاصى والدانى والتى تفوق خبرة من يخططون لسياسة مصر مجتمعين، سواء فى لجنة السياسات أو فى غيرها، والتى سمحت له أن يتبوأ بالفعل مناصب هى فى حكم السياسة أرفع مكانا وأكثر مسئولية من منصب رئيس دولة ولا ننسى أن من تولى قيادة مصر طوال 30 عاما كانت خبرته السياسية –حين تولى-أقل منه بكثير.
بالنسبة للسياسة الداخلية وإحساسه بهموم المواطن ومشكلات الوطن فيكفى أن الرجل طوال أكثر من 30 عاما قضاها بالخارج – وهى نقطة تحسب له وليس عليه كما يتوهم ضاربو الدفوف- لم ينس وطنه أو ينهى ارتباطه به بل كانت مصر دائما أبدا فى عقله وقلبه وكانت شغله الشاغل كما قال بنفسه فى أحاديثه الفضائية وكمثل بسيط فعندما تسلم جائزة نوبل تبرع بجزء منها إلى أهالى منطقة شعبية ""اسطبل عنتر"" – أشك أن السيد أمين السياسات يعرف مكان وجودها على الخريطة- لرفع مستوى الخدمات بها.
أما بقاؤه خارج مصر التى يعتقد المرجفون والمنافقون أنها نقطة ضعفه فهى بالعكس دليل إثبات وشهادة براءة من كل شبهات وشبكات الفساد والاستغلال التى حكمت البلاد طوال هذه الفترة والتى تأمل فى مواصلة إحكام قبضتها من خلال الرئيس القادم.
ونأتى إلى أهم عامل فى اختياره وهو إيمانه الصادق وليس الزائف بالديمقراطية وحق المواطن فى وطنه وحقه فى التعبير والمجاهرة برأيه دون خوف ولا وجل، والدليل على ذلك التزامه هو ذاته بهذا النهج والسير فيه وإلا لما رشح نفسه أو فكر وهو يعلم تماما حجم ما سيلاقيه من أهوال وصعاب، فهو يتبع القول بالعمل وليس ممن يقولون ولا يفعلون.. ممن يصرحون ويكذبون صباح مساء.
ذكر البرادعى فى أحد أحاديثه أنه يتمنى أن تكون فترة حكمه انتقالية يتم خلالها تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد وتمنى ألا تزيد فترة حكم الرئيس عن مدتين، مما أثار أذناب النظام فبدءوا سلسلة مقالات التشهير والتجريح المعتادة والتى جاءت كلها عكس ما تمنوا فازداد تمسك المواطن بترشيحه وزادت ثقته به وبدأت الحملة على" الانترنت" تزداد توهجا وزخما وبدأت حملة جمع التوكيلات التى واجهتها الحكومة –كالعادة- بغباء شديد وأوقفتها دون سند قانونى، وكلما زاد قارعو الطبول و"جوبلزو" النظام من كتاباتهم وسخافاتهم كلما ارتفعت أسهم البرادعى وزادت شعبيته وثقة المواطنين فيه.... فهل من مزيد؟
* كاتب وطبيب مصرى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة