>> فى مكتب اللواء على الألفى قرأوا لنا مقالا فى الجمهورية للوقيعة بينى وبين الشيخ إمام
>> اللواء زكى علاج قال لى: الألمان بيشتموا عبدالناصر بسببك
>> اتهمونى بجلب المخدرات من إسرائيل اللى كان اسمها «العدو الصهيونى»
>> قبل ما يرحلونى للحجز نادى الحاجب: «أحمد فؤاد نجم.. البيه القاضى عايزك»
فى الحلقة الماضية من الجزء الثالث لمذكرات «الفاجومى» التى يتحدث فيها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم عن مسيرته مع الشعر والناس والدولة ممثلة فى أجهزتها الأمنية والإعلامية- روى نجم أن أول مرة تم فيها القبض عليه فى عصر الرئيس المؤمن «أنور السادات» كان جالسا هو والشيخ إمام بصحبة الشاعر الكبير الراحل أمل دنقل، وكان أمل ينهى كتابة قصيدته الجميلة «الكعكة الحجرية»، ويقول نجم إنه حين هجمت عليه كتيبة الأمن «التتارية» للقبض عليه، كان حريصا على عدم إزعاج أمل دنقل «اللى كنت بحبه».
ومن الهجوم الأمنى عليه إلى الهجوم الصحى، يروى نجم قصته فى مستشفى مبرة محمد على بمصر القديمة، بعد أن قام الطبيب الدكتور رزق عبدالمسيح «الماركسى» بإدخاله إلى المستشفى، وفيه شاهد نجم بسطاء الناس الذين استمع منهم إلى معاناتهم بعد أن وجد فيهم شهامة وجدعنة «أولاد البلد».
بسلامة الله وأمنه وصل ركبنا الميمون إلى الطابق الخامس من مبنى مديرية أمن القاهرة سيادة اللواء على الألفى على رأس الموكب وجوز ظباط من ماركة «رائد» وكبشة مخبرين من ماركة «شداد غلاظ» يتوسطهم شخصى الضعيف «فى دور» المتهم وأثناء سير الموكب فى طرقة طويلة باضرب بعينى لقيت الشيخ إمام قاعد على كرسى خرزان وعمال يبسمل ويحوقل ويهتز يميناً ويساراً وإلى أسفل وإلى أعلى فاندفعت نحوه سريعاً وأنا أقوله:
- زمانك ختمت المصحف يا إمه.
واندفعت نحوه أعانقه فاسترد جأشه سريعاً - كعادته - وبابص لقيت مجموعة من الضباط الشباب ملتفين حول الشيخ إمام وعلى وجوههم جميعاً الدهشة والتساؤل أتارى دول دورية جاية تدى تمام بعد ما انتهت نوبة خدمتهم قلت لهم:
- هس بقى عشان نعرف نقول يميت سر فضحك بعضهم ثم انصرفوا فسألت الشيخ إمام:
- هما جابوك منين؟
قال لى:
- واحنا راجعين من عند عبده جبير كنت طلعت إمبابة وإحنا رجعنا ع الحتة لسه داخلين من عند على قواشطى لقيناهم ملتفين حوالينا وشقطونا م الشارع.
قلت له:
- أمال فين محمد على؟
قال لى:
- هو ماجاش؟ أقصد هو مش هنا؟
قلت له:
مش مهم المهم أنت معاك حاجة.
مد بوزه فى ودنى وقال لى:
- آه.
قلت له:
- معاك إيه؟
قال لى:
- حتة تيجى نص قرش.
قلت له:
- طب أظرفها.
قال لى:
- ما خدوها، ضحكت وقلت له:
طب قدام وكيل النيابة لا كان معاك حاجة ولا خدوا منك حاجة يا إمام.
وفوجئت بيه بيقولى بمنتهى الجدية.
- يعنى أكذب.
قلت له:
- شوف بقى.. أنا دماغى خلاص ضرب وقسماً بعزة جلال الله لو اتلجلجت لأكون زاقك من الشباك ولعلمك احنا فى الدور الخامس.
ضحك لأول مرة وقالى:
- حوش يا حواش.
وفى مكتب اللواء على الألفى جلسنا الشيخ إمام وأنا ورجل آخر يرتدى الملابس الصيفية اللى هى بنطلون وقميص واسم الله على مقامكم بنص أسود وكان معاه عدد من صحيفة الجمهورية قرأ لنا منه بصوت مسموع عاموداً صحفياً كتبه أحد الصفحيين اللامعين، وكان العامود بيسير فى نفس الطريق الذى انتهجه كتاب السلطة أيامها للوقيعة بين الشيخ امام والعبد الفقير كلهم أيامها كانوا بيشتغلوا بالنقد الفنى واحد يقول نجم هو الأصل والتانى يقول له: لأ لولا الشيخ امام ماكانش حد سمع بنجم ولا عرفه! وكنا المرحوم الشيخ إمام وأنا هارشين الفيلم وعاملين عبط ومش فاهمين وكان عامود اليوم يقف فى صفى بقوة وعنف.
فقلت للشيخ إمام بصوت سمعه الحاضرون.
- شايف ياد الناس مقاسات إزاى؟
فقال ضاحكاً:
- يا بخت من كان النقيب خاله وجتنا نيلة فى حظنا المهبب وأرسل اللواء على الألفى فى طلب سندوتشات فول وطعمية شامى وشاى بحليب وحين عرضت على الشيخ إمام قال فى أذنى:
- لأ.. أنا لأ.
قلت له:
- وأنت لأ ليه يا مولانا؟ اشمعنى أنت يعنى اللى لأ!.
فهمس فى أذنى.
- مش يمكن حاطين لنا حاجة فى السندوتشات.
وسمع اللواء على الألفى فقال:
- يا ساتر يا شيخ إمام ده أنت قلبك أسود قوى.
فأجابه الشيخ إمام بمنتهى الرقة وهو يبتسم.
- العفو يا سعادة الباشا بس أنا سمعت المرحومة أمى بتقول للمرحوم والدى «ما تستبعدش الرفص ع البغل النجس».
- وضج الحضور بالضحك وكانت أعلى ضحكة هى ضحكة اللواء على الألفى ذات نفسه.
ودخل علينا مخبر اتجه للواء على الألفى وهو يقول.
- الباشا عايز الأستاذ أحمد.
فاصطحبنى اللواء على الألفى إلى مكتب آخر لنجد فيه اللواء زكى علاج مدير أمن القاهرة ورئيس اتحاد الملاكمة المصرى، وهو عبارة عن جلد على عضم زى حالاتى.
فأجلسنى الرجل أمامه، وأومأ للواء على الألفى الذى غادر المكتب فاصبحنا وجهاً لوجه أنا واللواء زكى علاج الذى قدم لى سيجارة وهو يقول:
- إيه بقى يا سيدى أنت مش عايز تروح التليفزيون ليه؟
قلت له:
- بالعكس ده أنا رحت لغاية عندهم وهما اللى طردونى!.
ضحك وقال:
- من زفارة لسانك طبعاً، وبعدين أنت يرضيك أن الألمان يشتموا الرئيس عبدالناصر بسببك؟ يرضيك!.
قلت له:
- طبعاً ما يرضينيش بس ألمان مين اللى شتموا الرئيس جمال عبدالناصر بسببى.
بص فى ورق أمامه وقال:
- مجلة اسمها «دير شبيجل» أنت قايل لهم كلام كتير فى الموضوع.
ضحكت وقلت له:
- موضوع إيه؟
قال لى:
- أنا عارف بقى أهو موضوع وخلاص بس أنا بقى باقولك هدى اللعب اليومين دول بالذات.
فسألته ببراءة:
- واشمعنى اليومين دول بالذات؟ هو إحنا حنهجم!.
ضحك وقال لى:
- مفيش فايدة.. أنت دماغك خلاص باظ وانتهت المقابلة فذهبت إلى مكتب اللواء على الألفى لأجد وكيل النيابة جالساً على المكتب والشيخ امام واقفاً أمامه فسحبت كرسى أجلست عليه الشيخ إمام وقلت لوكيل النيابة.
- مش كده برضه يبقى شكلنا بنى آدمين؟
فارتبك قليلاً ثم قال لى:
- أنت مين؟ وإزاى دخلت هنا؟
فقلت له.
- أنت عايز تفهمنى أنهم منومينك مغناطيسياً.
دخل اللواء على الألفى مندفعاً وهو يقول:
- فى إيه يا أستاذ أحمد؟
قلت له:
- يا ريت تسأل البيه النيابة اللى موقف الشيخ إمام بيتفرج عليه وهو بيلفق له مصيبة.
فقام الوكيل متنفضاً فى حركة تمثيلية وهو يقول لى:
- أنت بتقول إيه أنت؟
فقلت له:
- باقول اللى سمعته.. ولا أنت صدقت نفسك.
فأشار له اللواء على الألفى فترك المكتب وخرج.
قلت للواء على الألفى:
- هو فيه إيه؟ انتوا جايبينا هنا ليه!.
وهنا دخل أحدهم المكتب فقدمه لى على الألفى.
- اللواء صلاح شحاتة زميلنا فى المكتب.
نظرت إليه فوجدته يحاول أن يشعرنى بسلطته أو تسلطه.
فقلت له:
- أهلاً يا سعادة اللوا.
فقال لى بصوت حاول أن يجعله جاداً.
- حتتفضل أنت والشيخ إمام معايا خمس دقايق وانتقلنا إلى مكان يشبه الكهف فأخذ بصماتنا واتضح انه عمل لنا أنا والشيخ امام كل واحد «ملف خطر»، واللى قال لى كده المخبر قطب. المخبر الخصوصى للواء عبدالفتاح نجم ابن عمى ومش بس كده دنا اللى مربيه ومعلمه الصياعة من أول نفس سجاير إلى ماشاء الله وعرفت من قطب أن عبدالفتاح ابن عمى هو تالت اللواءات فى إدارة المخدرات وانه قام باجازة صباح اليوم وكان المسكين قطب متصور أن عبدالفتاح نجم ما يعرفش باللى بيجرى لنا لدرجة أنه قال لى:
- أنا لازم اتصل بعبدالفتاح بيه حالاً.
قلت له:
- اعقل يا قطب وبطل هبل وابعد عننا خالص.
فقال متوسلاً:
- طب تعوزوا إيه وأنا خدام.
قلت له:
- نعوز سلامتك يا قطب يا أهبل.
فضحك ضحكة خفيفة ثم انصرف واصطحبنى اللواء على الألفى إلى مكتب مغلق فتحه لأجد كمية كبيرة من الحشيش والأفيون مكومة فى نصف الحجرة وسألنى فجأة.
- المخدرات دى بتاعتك.
فقلت له بهدوء.
- آه ليه؟
فانتفض قائلاً:
- بتقول ايه؟
قلت له:
- مش أنت سألتنى المخدرات دى بتاعتى قلت لك آه.
فارتبك قليلاً وعاد يسأل:
- حتقول الكلام ده للنيابة؟
- قلت له:
- ومقلش للنيابة ليه؟!.
وبدا الارتباك عليه وهو يقول:
- طب إذا سألك أحرزت المخدرات بقصد التعاطى ولا بقصد الاتجار؟
قلت له:
- تعاطى إزاى يا أفندم هو أنا أقدر أتعاطى كل هذا الكم.
قال لى:
- يعنى إيه؟
قلت له:
- يعنى أنا باتاجر فى المخدرات إذا كان ده يرضيكم ويبسطكم.
فقال بسرعة:
- أنا ماليش دعوة أنت حتقول الكلام ده للنيابة.
قلت له:
- طبعاً ح أقول ده للنيابة وح أقول لهم كمان أنى باوزع فى وجه بحرى.
ضحك وقال لى:
- واشمعنى وجه بحرى؟.
قلت له:
- عشان الست أم كلثوم هى اللى بتوزع فى وجه قبلى وبدأ الهلع على وجه السيد اللواء وهو يسألنى:
- أم كلثوم مين؟
قلت له فوراً.
- سفيرة الغناء العربى وكمان لازم أن المصدر الرئيسى هو الليثى بيه.
قال لى:
- الليثى بيه مين؟
قلت له:
- الليثى بيه عبدالناصر.
قال لى:
- الليثى بيه أخو سيادة الريس جمال عبدالناصر؟
قلت له:
- هو بعينه.
قال لى:
- أنت أكيد مجنون.
قلت له:
- يعنى أنت اللى عاقل؟
> > >
وحولنا على قسم شرطة الدرب الأحمر للبيات ثم التوجه صباحاً إلى مبنى مجمع المحاكم فى شارع الجلاء وهناك وجدنا الأستاذ أحمد فؤاد المحامى الذى لا أعرفه جاء متطوعاً للدفاع عنا بعد خروجه من المعتقل فوراً وأمام قاضى المعارضة ترافع الأستاذ أحمد فؤاد بحرارة وفند ادعاءات الاتهام بأننا نتاجر فى المخدرات التى نجلبها من إسرائيل التى كان اسمها «العدو الصهيونى»!.
فسأل القاضى الشيخ إمام:
- تفتكر بيلفقوا لكم التهمة دى ليه يا شيخ إمام؟
فأجاب الشيخ إمام على الفور:
- لأننا يا باشا منذ أن التقيت بابوالنجوم وإحنا نازلين على قفاهم واللى يطرقع ما يتحسبش.
فابتسم القاضى وقال:
- قفا مين يا شيخ إمام؟
فقال الشيخ امام:
- قفا اللى لفقوا لنا التهمة وجابونا هنا.
فرفع القاضى الجلسة وخرجنا إلى طرقة المبنى ودخلنا القفص استعداداً للترحيل وفوجئنا بصوت الحاجب يقول:
- أحمد فؤاد نجم البيه القاضى عايزه.
ثم جاء ليصطحبنى إلى غرفة القاضى الذى قال له:
- اقفل الباب وراك.
لمعلوماتك...
>> 1936 العام الذى التحق فيه بملجأ الأيتام
>> 1929 مولد أحمد فؤاد نجم بالشرقية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة