إبراهيم داود

الحلاقة

الخميس، 11 فبراير 2010 11:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نجح إدريس على (70 عاما) فى فرض اسمه على فن الرواية العربية فى مصر، بعيدا عن نقاد الجوائز، وعرابى المؤتمرات الدولية، ونفوذ الصحافة الثقافية، والناشرين النافذين، هو رجل صادق وبسيط وموهوب، قرر هزيمة الواقع البائس والاكتئاب بالكتابة، تجربته فى الحياة صاغها فى أعماله بدون افتعال، لم يتاجر بقضية النوبة، ولم يطبل للدولة لكى يحصل على جوائزها، ولم يبتذل نفسه، خدم فى الجيش المصرى وسافر معه إلى اليمن، وعمل فى السينما كبائع تذاكر فى ليبيا، ثم فى «المقاولون العرب»، وإنجازه محل تقدير عشاق فن الرواية، قبل ست سنوات شرع فى كتابة سيرته الذاتية «كتابة البوح»، ونشر منها «تحت خط الفقر» ثم «مشاهد من قلب الجحيم»، وأخيرا «الزعيم يحلق شعره» التى تحمل عنوانا فرعيا «حكايات من مدينة الاختفاء المتكرر»، والتى صودرت هذا العام فى معرض الكتاب، وتم إلقاء القبض على ناشرها الشاعر الجميلى أحمد شحاتة، والسبب هو انتقاد العمل لللأخ العقيد معمر القذافى قائد الثورة الليبية، إدريس قال لمحمد شعير فى أخبار الأدب، إن المجلس الأعلى للثقافة رفض نشرها (رغم أنها مكتوبة فى إطار منحة التفرغ الممنوحة له منه) ورفضت مجلة كل الناس نشرها مسلسلة، وأيضا دار الشروق، فقط لأنها تتحدث عن المصريين فى ليبيا فى الفترة من 76 إلى 1980، وهى الفترة التى قضاها صاحب «انفجار جمجمة» فى الجماهيرية، ويرصد من خلالها الحياة الاجتماعية هناك، وتأثير قرارى الأخ العقيد «شركاء لا أجراء» و«البيت لساكنيه»، ويرصد إدريس ما جرى للمصريين من انتهاكات وإهانات تعرضوا لها بعد زيارة السادات للقدس، وعنوان الرواية «الزعيم يحلق شعره» مأخوذ من عبارة للقذافى فى إحدى خطبه، دعا فيها الليبيين إلى إغلاق صالونات الحلاقة، وأن يحلقوا لأنفسهم، وأنه كزعيم سيحلق لنفسه، بعد أن حلم بأن حلاقا حاول اغتياله، الرواية هى استكمال لمسيرة الرجل الفريدة فى الحياة والكتابة، ولا أعتقد أنه يريد أن يفجر بها قنبلة، لأنه ليس إرهابيا، ولكنه لمن لا يعرفه يعانى من إرهاب الجميع، والمصادرة هذه المرة إهانة للدولة المصرية، التى تسمح بانتقاد الرئيس مبارك، ولكنها لا تحتمل انتقاد رئيس دولة شقيقة فى عمل أدبى غير معنى بالسياسة، ولكنه معنى بمصائر بشر دفعتهم الظروف للعمل خارج وطنهم، مصادرة الكتاب واعتقال الناشر كارثتان حقيقيتان، لأنه لا يجوز مصادرة كتاب إلا بحكم قضائى، وهذا لم يحدث، واعتقال شخص بدون سند قانونى، خاصة بعد إفراج النيابة عن الناشر دون ضمان، ولكن أجهزة الأمن لم تتركه يرحل بعد قرار النيابة، وطبقت عليه قانون الطوارئ باعتباره إرهابيا، الجديد فى هذه الواقعة أنها أعطت مبررا جديدا للمصادرة، بعد أن كانت فى الماضى مقتصرة على تهم مطاطة مثل الاعتداء على ثوابت الأمة التى لم يحددها أحد على حد تعبير شعير، أو اختراق التابوهات الثلاثة الشهيرة (الدين والجنس والسياسة)، هذه المرة لا يوجد فضل للمحظورة فى المصادرة، الفضل يرجع إلى العلاقات التاريخية المتينة بين زعيمين يلتقيان كثيرا لبحث مستقبل العلاقات بين البلدين الكبيرين، صاحب النوبى ودنقلة واللعب فوق جبال النوبة والرواية المصادرة شخص مسالم، ولم يدع البطولة، هو يؤرخ للحظات نادرة فى حياته وحياة قطاع كبير من المصريين بخيال حوشى، وتلقائية فى غاية العذوبة، قطعت حرارة التليفون عن بيته لتأكيد عزلته عن العالم، هو يريد أن يعيش حياة هادئة بعد المشوار الصعب الذى قطعه، هو يخاف من المفاجآت، بعد أن طلب منه موظف فى قصر ثقافة مرسى مطروح عدم حضور ندوة له هناك لأن حياته مهددة، ولا أعرف حتى الآن هل تمت المصادرة بأوامر ليبية أم مصرية، ومن المسئول عن حماية إدريس على فى بلده؟ وهو الرجل الذى كرمه السيد الرئيس قبل سنوات فى معرض الكتاب، وأمر سيادة المشير حسين طنطاوى بعلاجه على نفقة وزارة الدفاع فى أزمته الصحية الأخيرة!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة