ما قام به النظام المصرى مؤخرا من اعتقال بعض قيادات الإخوان المسلمين لا يعد إلا دليلا جديدا على إفلاس النظام سياسيا، فقد ترك الفرص للإخوان لإجراء انتخابات مكتب الإرشاد خاصة بعد علمه بوجود بعض الخلافات بين قيادات الجماعة حول كيفية وتوقيت إجرائها، معولا على أن تحدث هذه الانتخابات انشقاقات عاصفة تطيح باستقرار الجماعة وتشوه صورتها أمام الرأى العام.
لكن أتت الرياح بما لا تشتهى سفن النظام، واستطاع الإخوان أن يثبتوا للجميع مدى تماسك الصف الداخلى وسطحية الخلاف، ومرت انتخابات المرشد العام بشكل توافق عليه إخوان الداخل والخارج، بل وبدأ الإخوان يعدون أوراقهم استعدادا للانتخابات سواء أكانت البرلمانية أو الشورى، مما أشعر النظام بالخطر، وعادت ريمة لعادتها القديمة واستخدم النظام كعادته قبضته الأمنية، من أجل تصفية خصومه الذى يفشل فى إشعال الخلافات بين صفوفهم الداخلية، كما حدث فى بعض الأحزاب.
ولجوء النظام للعصا الأمنية من أجل تحجيم منافسيه خاصة الإخوان فى هذا الوقت له دلالاته السياسية ومنها :
* إن النظام يستشعر بمدى الرفض الشعبى له ولرموزه، خاصة أن الشارع عانى خلال الأعوام الثلاثة الماضية من سلسلة من المشاكل التى أثقلت كاهله وعلى رأسها ارتفاع الأسعار، والتفنن فى الجبايات الحكومية تحت مظلة الأنظمة الضريبية، والاحتكار من قبل حيتان النظام الحاكم، ومصادر الحياة السياسية عن طريق تأميم الانتخابات سواء أكانت فى المحليات أو الشورى بعد إلغاء الإشراف القضائى عليها.
* وجد النظام نفسه أمام منافسة غير متكافئة مع الإخوان، خاصة أن هناك بعض القوى والأحزاب السياسية تميل للتحالف معهم فى الانتخابات القادمة، فأراد من خلال هذه الاعتقالات توجيه رسالة تهديد للإخوان، ومن تسول له نفسه التحالف معهم، مؤكدا للجميع أن الإخوان من المغضوب عليهم، ولن يسمح لهم النظام أن يكرروا تجربتهم مع الانتخابات البرلمانية السابقة.
*كما أرى أن هذه الاعتقالات ستكون ضربة البداية للتصعيد ضد الإخوان خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد أن أكد المرشد العام للجماعة، د.محمد بديع فى أكثر من تصريح رفض الإخوان للتوريث، وأنهم سيقفون عقبة فى وجه، لذلك أراد النظام أن يرد على هذه التصريحات بشكل عملى.
• لقد حرص النظام من خلال هذه الاعتقالات على إرسال رسائل لكل المطالبين بالإصلاح، مفادها أن النظام لن يغير سياسته تجاه معارضيه، وأنه يسعى بكل قوة لتكريس الأوضاع الحالية على ما هو عليه، واستمرار سيطرته على مقاليد الحكم، دون أى تغيير سوى تغيير ديكورى من خلال صفقاته، مع بعض الأحزاب التى قبلت أن تقوم بدور الكومبارس فى المسلسل الهزلى السياسى للنظام.
ولو كان لدى النظام ذرة عقل لاستغل حالة الحراك السياسى، وقام بتوظيفه فى إحداث نهضة، من خلال فتح صفحة جديدة مع معارضيه، وإجراء إصلاحات سياسية تلم شمل الوطن وتفتح أفق الحوار بينه وبين كل القوى السياسية، من أجل الوصول لمصالحة وطنية حقيقية، تدفع الجميع لبناء مستقبل زاهر، تتمتع فيه الأجيال القادمة بالحرية والديمقراطية والرفاهية، لكنه نظام الحزب الوطنى الذى أدمن الانفراد بالسلطة، والتنكيل بمعارضيه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة