ينتشر فى مصر الآن فيروس جديد صناعة بشرية، ليس له علاقة بالفيروسات الطبيعية مثل فيروسات الأنفلونزا أو الكبد الوبائى، أو حتى الفيروس المسبب لمرض الإيدز، إنه فيروس الكأبة الناجم عن السياسة فى هذا البلد.
ولأكثر من سبعة أيام بدت الطبيعة وكأنها تتضامن مع هذا الفيروس، فانتشر الضباب الكثيف، وغلفت الشبورة المائية الأجواء، فحجبت الرؤية، وقللت مساحات الأكسجين التى يتنفسها البشر فضاقت صدورنا جميعا.. أكثر مما هى عليه من ضيق بسبب ما شهدناه من تجاوزات فاضحة فى العملية الانتخابية خلال مراحلها المختلفة.
انتشرت البلطجية خارج المقرات الانتخابية، ومنعوا المواطنين فى عدد غير قليل من الدوائر من إبداء أرائهم، ولم يسمح لمراقبى المجتمع المدنى بالمراقبة الكاملة، أما داخل اللجان فقد جرت عمليات تسويد الأصوات على قدم وساق.
قال لى صديق مرشح إنه تلقى عدة اتصالات على هاتفه المحمول من رؤساء لجان بدائرته يعرضون عليه تسويد البطاقات الانتخابية، وتراوح سعر تقفيل الصندوق بين أربعة آلاف جنيه إلى ستة آلاف جنيه فقط.. علما بأن الصندوق يحتوى على ألف صوت، بما يعنى أن الصوت الانتخابى داخل اللجنة بلغ سعره أربعة جنيهات، بينما كان سماسرة الانتخابات يشترونه خارجها بمبالغ تتراوح بين خمسين ومائة جنيه للصوت.
وباستثناء قاضٍ رفض التزوير فى دائرة المرأة بمحافظة أكتوبر، واعتذار ثلاثة عن المشاركة فى الجولة الثانية من الانتخابات، لم يظهر نحو ألفى قاض كان من المفترض منهم إدارة العملية الانتخابية.. وفى أفضل الأحوال اكتفوا بالحصول على محاضر فرز الصناديق وجمعها وإعلان النتيجة النهائية فى كل دائرة على حدة.
ونجح فى الانتخابات وزير التضامن المسئول عن أزمة رغيف العيش وانتشار طوابيره، وفاز وزير الزراعة، بينما الأراضى الزراعية تحتضر والفلاحون يعانون الفقر، وأسعار الخضروات تسجل أرقاماً قياسية، ونجح وزير الرى بينما لدينا مشكلة فى مياه النيل مع دول المنبع، ولا تصل المياه لنهايات الترع فى المحافظات والقرى.
ورغم كل ذلك يصر القائمون على أمر الحزب الوطنى أن نتائج الانتخابات عكست أراء المواطنين، ومنحتهم نحو 84% من مقاعد البرلمان، متعللين بأن صناديق الاقتراع لا تكذب، وإنما تقول الحقيقة، بينما يعلم الجميع داخل مصر وخارجها أنها عكست إرادة من ملأ هذه الصناديق ببطاقات التصويت المسودة.
كان بعض الناس ـ وأنا منهم ـ نحلم بمشاركة شعبية واسعة، وتصويت حر دون قيود أو عراقيل، وأن يتحول يوم الانتخابات إلى عيد للديمقراطية، لكنها اغتالت الديمقراطية، وأطلقت رصاصة الرحمة على الأحزاب السياسية، ونشرت فيروس الكأبة بين الناس، الذين يصر البعض على جعلهم ضيوفاً فى وطنهم، وعلى أرضهم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة