بصدور مجلة "مدارات غربية" فى بيروت تكون المجلات العربية شهدت تحولاً هاماً نحو فهم الغرب، فلسنوات طويلة ظل الاهتمام بالغرب مقصوراً على ترجمة بعض الكتب الصادرة، أو سرقة بعض إنتاجه ونسبته إلى مترجمه، غير أن هذه المجلة تقدم الفكر الغربى واتجاهاته من خلال إيجاد وسيط موضوعى وعلمى، يتيح للقراء والطلاب والمثقفين ولأصحاب القراء فى العالم العربى التعرف على تطور المجتمعات الغربية، وفهم تحولاتها الحضارية، لما فى هذه التحولات من تأثير على اتجاهات التطور فى العالم.
وفى العالم العربى بصفة خاصة، تنحو المجلة أيضاً نحو الاهتمام بالقضايا الإقليمية والدولية، وذلك من خلال رصد الاتجاهات الرئيسية لحركة الأحداث، وتحليل التعقيدات الجيو- ستراتيجية التى تمس علاقات الغرب بالشرق، كما تتجه نحو تعريف القارئ العربى بمنجزات التقدم العلمى الغربى، خاصة ثورة المعلوماتية استيعاب آليات التواصل فى شتى المجالات المعرفية.
كما تقوم مدارات غربية بترجمة وتعريب ونشر كراسات دورية تعالج موضوعات وأبحاث ومقالات ذات طابع استراتيجى فى إطار المصلحة المشتركة وبالاتفاق والتعاون مع مؤسسات ومراكز دراسات وأبحاث تعمل فى أوروبا وأمريكا الشمالية.
ما سبق يعد تعريفاً بالمجلة وفلسفتها، وإذا كان هناك إدراك منا بأهميتها، فهذا يعود إلى جدية ثمانية أعداد قمت بمتابعتها صدرت من المجلة، غير أن أول نقطة تؤخذ على المجلة محدودية توزيعها، فهى على أهميتها فتوزيعها يكاد يكون محدوداً، و لولا البحث على الانترنت بصورة عشوائية لما توصلت إلى موقعها و هو www.madarat.net، ثم طلبى من صديقى الدكتور (رضوان السيد) إحضار أعداد منها إلى من بيروت، أما ثانى المآخذ هو غلق المشاركات فيها قبل المترجمين و الكتاب على اللبنانيين، ولعل هذا سيفقد المجلة روح الاستفادة من الانتشار، وثالث مآخذ غياب أوروبا الشرقية والدول الاسكندينافية عن المجلة، و هى ليست الوحيدة التى تقع فى هذا الخطأ بل كل المجلات الثقافية العربية تقع فيه، فنحن مازلنا مبهورين بثقافة ألمانيا و بريطانيا وفرنسا وهولندا واليونان وإيطاليا، وحصرنا نفسنا فى إطار ضيق لم نستطع الخروج منه إلى اليوم.
غير أن الذى يحسب للمجلة كثير، منه تناولها لقضايا شائكة تفتح الأذهان على ما يدور فى الغرب، مثل وجهات النظر والسياسات الأوروبية حيال الشرق الأوسط، فقدمت لنا المجلة تحليل (كريستين آرليك) وهى أخصائية أمريكية فى الشؤون الأوروبية، والشئون الخارجية والدفاع، هذا التحليل كان مقدماًُ لدائرة الأبحاث فى الكونجرس الأمريكى، يبرز هذا التحليل الرؤية الأمريكية للموقف الأوروبى من الشرق الأوسط، خاصة نمو دور السياسة الأوروبية الخارجية تجاه العديد من القضايا التى صارت محل جدل وخلاف بين الطرفين، فأوروبا تسعى للعب دور يتناسب مع قدرتها كمانح مالى، فضلاً عن مصالحها الجيوسياسية التى ترتبط بقربها من مناطق التوتر فى الشرق الأوسط، والتحليل يكشف رؤى لاشك أنها هامة لصناع القرار السياسى العربى.
كشف لنا أيضا (جان بيار أسكافر) الباحث فى جامعة رين الفرنسية، كيف تهيمن الولايات المتحدة على أوروبا بشكل قد يبدو مستغربا بالنسبة لنا فى الدول العربية، حيث يقر مشروع الدستور الأوروبى التقيد بقواعد منظمة التجارة العالمية و حلف الأطلس، و هو ما يعنى ضمناً الخضوع إلى قوة خارجية ينشأ الاختزال الجذرى لسيادة أوروبا على أراضيها، خاصة مع وجود القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضى الأوروبية حتى بعد انتهاء الحرب الباردة، فضلاً عن شبكات التجسس الأمريكية الواسعة فى أوروبا.
إن أعداد المجلة وملفاتها، وضعها الإسلام بعين الغرب، الأقليات فى قلاعها المغلقة، أمريكا الإمبراطورية المسحورة، ملحمة الديمقراطية، العراق حرب الجغرافيا والتاريخ، اليهودية عقل الغرب وروحه، كلها بلاشك تعد مراجع هامة لإدراك ما يدور حولنا، إن مثل هذه المجلات على قلتها تأتى لتكون هى الزاد وسط غثاء من المجلات الهابطة أو المجلات الشللية الثقافة، أو التى أصابها الركود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة