طوال الأيام الماضية، يدق جرس المحمول بشكل متواصل، يحمل أكوادا لأرقام أوطان عربية وغير عربية، أرفع الجهاز الصغير الملقى بجوارى, وأنا شاخصة إلى شاشة التليفزيون، أتنقل عبر الفضائيات، أنظر فى لوحته إلى الأرقام, ثم ألقيه مستقرا إلى جوارى مرة أخرى، لا إجابة عندى لسؤال أعرفه يقينا، من كل الأصدقاء الأعزاء الذين ألحوا فى الاتصال طوال أسبوع، "إيه اللى بيحصل عندكم؟!"، أعتذر منكم جميعا يا أصدقائى، فقد شاهدتم ماذا يحدث عندنا, وليس لدى ما يمكن إضافته، أحتاج أولا أن أوقف عقلى عن لهاث المتابعة، وأحاول الفصل بين مشاعر متضاربة تعتمل داخل رأسى، ليس منها المفاجأة، وأفكر بهدوء عما يمكن أن يحدث بعد ذلك!!
طوال أسبوع اختفت من خريطة الحياة اليومية, الرغبة فى متابعة أى أعمال فنية أو برامج خفيفة أو حوارية، واحتلت نشرات الأخبار ومتابعاتها قائمة الاهتمامات التليفزيونية، ليس بالنسبة لى فقط, بل بالنسبة لكل المصريين، أكوام الصحف والمجلات, اليومية والأسبوعية، ظلت ترتفع طيلة أسبوع، فليس فيها ما قد يشبع فضولا قاتلا للمتابعة لحظة بلحظة، حتى كتاب المقالات رأيتهم، معظمهم، على شاشات الفضائيات يدلون بدلوهم عن موقعة الأحد الماضى، فلم يعد لديهم جديد يضيفونه على أوراق الصحف.
ليس هناك مفر، لا بد أن تظل متحصنا بالريموت كنترول، حتى لا تفقد أعصابك، أو تأتى بأى تصرف ينطوى على تهور، إذا ما استدرجت لمتابعة هراء من يعانون حالة فصام حاد عن المجتمع، كأن تلقى بكل ما تملك من قوة بالريموت كنترول, صوب الشاشة التى تحمل صورهم أمامك، التحصن بالريموت كنترول, يمنحك فرصة ذهبية للذهاب لمكان آخر، وبينما أعبر سريعا على الفضائيات, التى يتوالى فيها تتر ختام النشرة، وقد ملكت القدرة على التمييز بين كل منها, والمحطة التى تبثه طوال الأسبوع الماضى, إذا بى أتوقف أمام فضائية غير "مأهولة"، لا يتردد عليها بنى وطنى كثيرا، تعرض فيلما وثائقيا عن الطرق الآمنة فى المجازر الآلية للطيور، الصورة تعرض على الشاشة، وهى بالمناسبة قناة ليست عربية، صفوفا من الدجاج معلقة بنظام من أرجلها فى سير يمر بها بهدوء إلى حتفها، عند نقطة معينة, ترى رؤوسها تطير الواحدة تلو الأخرى، الصورة عرضية, فأنت لا ترى الرأس الطائر، وهى غير مقززة, لأنه بمجرد أن تنتهى عملية "تطيير" الرأس، فجسد الدجاجة نفسه المعلق من الأرجل, ما يلبث أن يختفى من أمام ناظريك، ليدخل مرحلة أخرى، الذى لفت انتباهى فى المشهد هو أن عملية قصف الرؤوس, تمت بمنتهى الهدوء، والنظام، والاحتراف، ودون أن تسقط قطرة دم واحدة عن المكان المخصص لها والأجساد مقطوعة الرؤس, توارت بسرعة فلم يبق فى عقلك اللحظى أى شعور بالألم تجاه الطيور التى طارت رؤوسها.
اللافت فى المشهد أيضا, على الأقل بالنسبة لى, أن الضجيج الذى تسمعه من تلك الطيور عند بدء دخولها معلقة على السير، لا يلبث أن يختفى قبل أن تصل أى منها إلى النقطة التى ستطير فيها الرأس، ثم لا يلبث الصمت أن يطبق.
ضغطت على زر الريموت كنترول، أظلمت الشاشة، وعدت مرة أخرى أبحث عن إجابة لسؤال الأصدقاء خارج مصر "إيه اللى بيحصل عندكم"؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة