10 أيام فى واشنطن تكشف الفرق بين سور البيت الأبيض وسلالم نقابة الصحفيين

الخميس، 30 ديسمبر 2010 11:29 م
10 أيام فى واشنطن تكشف الفرق بين سور البيت الأبيض وسلالم نقابة الصحفيين احتجاج عشرات الأفارقة أمام البيت الأبيض
رسالة واشنطن : سهام الباشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ مظاهرات للأفارقة.. وصلوات للمسلمين.. والأمريكان يعجبون بالحجاب
◄◄ اكتشفت أن حرس الجامعة بدعة مصرية.. والمسؤولون فى مصر «ودن من طين وأخرى من عجين»

«حجابى» كان أهم علامة استفهام أطرحه على نفسى قبل السفر، كنت أتساءل: ياترى هل سيستوقفنى أحد من المارة وأنا أسير فى شوارع واشنطن ليسألنى عن سبب ارتدائى له، أم يلقبنى بكلمة تتهمنى بالإرهاب؟ هل من الممكن أن يقابلنى شخص مثل المتعصب الذى قتل مروة الشربينى فى ألمانيا لأنها ترتدى حجابا مثلى؟ هل سيلفت هذا الحجاب انتباه المارة فى الشارع؟.. أسئلة كثيرة لم تهدأ منذ أن خرجت من منزلى فجر يوم الأحد الموافق 12 ديسمبر حتى وصولى إلى مطار هيثرو فى لندن لكى نستقل من هناك الطائرة المتجهة إلى واشنطن دى سى، فى لندن وجدت أولى الإجابات عندما عبرت إحدى الفتيات الأجنبيات (لا أعرف جنسيتها) عن إعجابها بالحجاب الذى ترتديه زميلاتى فى الرحلة، وطلبت من صديقتى سماح عبدالعاطى أن تقوم بعمل «الشال» الذى تضعه على كتفيها حجابا لها.

أما الإجابة الأخرى عن سؤالى فكانت على متن الطائرة المتجهة إلى واشنطن، فبعد مرور ما يقرب من أربع ساعات، قررت أن أحرك قدماى قليلا بعدما تعبت من الجلوس طيلة هذا الوقت، فوقفت مع اثنتين من زميلاتى وكان يقف معهما شاب أمريكى فى العشرينيات من عمره يدعى تشارلى، وقد كان هذا الشاب أحد الجنود الأمريكان الذين شاركوا فى الحرب على العراق، وعبر فى حديثه معنا عن الندم الذى يشعر به من جراء مشاركته فى تلك الحرب، وقبل أن ينهى حديثه أبدى إعجابه بالحجاب الذى أرتديه، ولم يسأل مطلقا عن سبب ارتدائى له.

لم تكن تلك المواقف كافية بالنسبة لى لتلاشى مخاوفى حول أن يهاجمنى أحد بسبب حجابى، لكن عندما تجولت فى شوارع واشنطن، لم أشعر بأن حجابى لافت لنظر المارة فى الشوارع، فالجميع يسير دون أن يتدخل فيما يفعله الآخرون أو فيما يرتدونه، وقتها تأكدت أننا من يرسم لنفسه صورة معينة ليعيش فيها دون غيرها.

ومع ذلك لا أستطيع الجزم بأن هذا المجتمع الأمريكى لا يوجد فيه متعصبون ولكن على الأقل أنا لم أر هذا التعصب بالصورة التى كنت أتخيلها، وقد يكون السبب وراء ذلك هو قصر المدة التى قضيتها هناك والتى استمرت 10 أيام فقط

كانت عيناى دائما ترى المواقف المتناقضة بين مصر وأمريكا، وبصراحة ما أكثرها، منها على سبيل المثال عدم سيطرة الحرس ورجال الأمن على الجامعات هناك، فأثناء زيارتى إلى جامعة فرجينيا، استطاع الوفد المصرى المكون من 14 صحفيا وصحفية وثلاثة من المشرفين فى برنامج تطوير الإعلام، الدخول إلى حرم الجامعة دون أن يعترض دخولنا رجال الأمن أو حرس الجامعة كما هو معروف لدينا فى الجامعات المصرية ويقول طارق عطية المسؤول عن تدريب الصحفيين فى برنامج تطوير الإعلام، إن الأمن فى جامعة فرجينيا لا يتدخل مطلقا فى شؤون الطلبة، وإن دور الأمن محدود جدا.

وبعد أن أنهينا زيارتنا إلى جامعة فرجينيا توجهنا مباشرة إلى جريدة ديلى بروجريس «daily progress»، وهى جريدة إقليمية تصدر فى مدينة تشارلزفيلد فى ولاية فرجينيا، وكانت المفاجأة فى مبنى هذه الجريدة المحلية التى يعمل بها 20 صحفيا فقط، والذى يعد أفضل من أعظم الجرائد المستقلة فى مصر من حيث الإمكانيات والأدوات التكنولوجيا المستخدمة، وأثناء وجودنا فيها سمعنا صوت رجال البوليس يتعالى من جهاز لاسلكى داخل الجريدة، وبسؤالنا عن سبب تواجد هذا الجهاز فى مقر الجريدة، أجاب ماكجريجور مكانس مدير التحرير، بأن أى جريدة فى أمريكا من حقها أن يكون لديها هذا الجهاز الذى يربطها بكل المحادثات الخاصة بالشرطة والإسعاف والمطافى لمتابعة الأحداث أولا بأول.

المفارقة الأكبر كانت عند زيارتى جريدتى الواشنطن بوست واليو إس إيه توداى USA TODAY، فمبنى كل منهما وإمكانياتهما لم يبهرانى، لأننى توقعت أن يكون كل منهما على مستوى عال جدا من الضخامة، ولكن ما تعجبت له أننى اكتشفت أن الجهد الذى يبذله محررو هاتين الجريدتين ليس بالكثير، فيمكن اعتباره جهدا أقل مما يبذله بعض الصحفيين المصريين فى البحث عن المعلومات، ولكن بالرغم من ذلك فتأثير ما يكتبونه أقوى عشرات المرات مما ينشر فى صحفنا، فكما قال توماس فرانك -الصحفى فى اليو إس إيه توداى- فهو يستطيع الحصول على المعلومات التى يريدها من على شبكة الإنترنت، فكل الوثائق والبيانات الحكومية وغير الحكومية متوافرة على الشبكة العنكبوتية، وفى متناول الجميع ولا يجد الصحفى صعوبة كبيرة فى الحصول عليها، لكنه عندما يناقش قضية معينة يكون صداها فى المجتمع كبيرا، وضرب توماس مثالا على ذلك حول تحقيق أجراه عن عمدة إحدى الولايات الأمريكية كشف فيه عن استغلاله أموال الضرائب التى يدفعها الأهالى، لمصلحته الشخصية، وكانت نتيجة تحقيقه هى إقالة هذا العمدة من منصبه.

بمجرد إنهاء توماس كلمته تذكرت على الفور تحقيقى الذى فزت فيه بالمركز الثالث على مستوى الوطن العربى فى الصحافة الاستقصائية والذى يدور حول الأضرار الصحية الناتجة من استخدام مواد خطرة فى صناعة الأثاث فى محافظة دمياط والذى كشفت فيه عن إهمال جسيم يقع من جانب المسؤولين تجاه الأهالى الذين يعيشون فى هذه المحافظة، فهذا التحقيق لم يأت بنتيجة ملموسة تنقذ هؤلاء الأهالى من عثرتهم، فتذكرت وقتها أن المسؤولين فى مصر «ودن من طين.. وودن من عجين».

احترام أهالى واشنطن إشارات المرور، فهناك لا تجد مفرا من عدم الالتزام لها، يكفى أن أقول إن أحد المارة الذين رأيتهم بنفسى فى منتصف الليل من نافذة غرفتى، ظل واقفا على الرصيف رغم عدم وجود أى سيارة فى الشارع، ولم يعبر الطريق إلا بعد أن فتحت الإشارة، هذا السلوك الذى مارسته طوال الرحلة، حاولت أن أمارسه وأنا أعبر الطريق فى أول يوم لى فى العمل بعد عودتى، لكنى وجدته صعبا جدا فلا توجد إشارات فى كل شارع توضح متى يحق للمشاة العبور ومتى يجب على السيارات أن تتوقف!

أمام السور المحيط بالبيت الأبيض، تذكرت مشهدا أراه باستمرار على سلالم نقابة الصحفيين المصرية، يعكس تنوعا ثقافيا كبيرا ويحتوى على العديد من وجهات النظر، تجد فيه المعتصم والمحتج والمتظاهر، تشاهد فيه كل صاحب مطلب يرفع لافتة ويردد شعارا يعكس مطلبه حتى يصل صوته لجميع المسؤولين فى البلد، هذا المشهد الذى ظننت أننى هربت منه تحت سماء القاهرة المشمسة، وجدته أمامى فى العاصمة الأمريكية واشنطن دى سى وتحت سمائها الملبدة بالغيوم.

فى صباح أحد الأيام قررت أن أذهب إلى حديقة «لافاييت» المواجهة للبيت الأبيض لألتقط بعض الصور التذكارية هناك، وفجأة سمعت أصواتا عالية تنطلق من أمام البيت الأبيض، هتافات ترددها مجموعة من الأفارقة تطالب الرئيس الأمريكى باراك أوباما والأمم المتحدة بإنقاذ بلدهم «كوت ديفوار» من تزوير الانتخابات الرئاسية.. ولا يزالون على هذا الحال حتى فوجئت برجل آخر يقترب عمره من الأربعينيات، يجلس على الأرض ويتلو بعض الأناشيد ويمارس طقوسا غريبة لم أرها من قبل.. ظننت أنه بوذيا أو هندوسيا لكن المفاجأة هى عندما وقف هذا الرجل وقال بصوت عال «الله أكبر الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، وقتها شعرت بحالة من الاندهاش والتعجب، فبالرغم من أننى مسلمة فإن هذه هى المرة الأولى فى حياتى التى أرى فيها مثل هذه الطقوس التى مارسها الرجل قبل أن يؤذن لصلاة الظهر، بعد إنهاء صلاته سألته عن سبب الصلاة فى هذا المكان بدلا من الذهاب إلى أقرب مسجد، لكن الرجل الذى اكتشفنا أنه مصرى الجنسية جاءت إجابته غريبة بعض الشىء، عبارة عن كلمة واحدة هى «الجهاد»، وبعد بر هة من الزمن التقط نفسا عميقا وقال: «لما كنت فى مصر كنت بجاهد فى خدمة أمى وأبويا ولما جيت هنا قررت إنى أجاهد فى سبيل الله»، ولم يلبث الرجل أن يكمل كلمته حتى بدأ فى الهجوم علينا وطلب من أحد الزملاء أن يربى لحيته وأن يرتدى بنطالا قصيرا. وقتها شعرت بالأسف على أن يصبح هذا الرجل الذى جذب أنظار جميع المتواجدين فى المكان وتلهفت عليه كاميرات المصورين أثناء صلاته، نموذجا للمسلمين والإسلام.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة