د.طارق النجومى يكتب: المر بزيادة!!؟

الجمعة، 03 ديسمبر 2010 02:17 م
د.طارق النجومى يكتب: المر بزيادة!!؟ انتهاكات جامعة عين شمس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشى متوجهاً إلى مكتبه.. سنوات طويلة يمر بالحديقة التى تحيط بمبنى الجامعة.. تمتلئ عيناه بجمال أشجارها والورود من كافة الأشكال والألوان تتناثر هنا وهناك.. الطلبة يتهامسون لا يسمع لهم صوتا.. الصوت الوحيد الذى ينطلق من حين لحين صوت الطيور المتناغم الجميل.

مر بطالبتين يمشيان معا فهزا له رأسيهما وهما تبتسمان.. بادلهما ابتسامة وصعد على سلالم المبنى الذى طالما تطلع إليه فهو تحفة معمارية تبارى أستاذة كلية الهندسة فى الجامعة فى إبداعها.

جلس على مكتبه.. نظر إلى الشهادات التى يمتلأ بها الحائط.. توقف بصره قليلا على صورته وهو يتسلم إحدى جوائز البحث العلمى ثم استقر بصره على صورة والده.

كان والده قاضيا من عائلة عريقة.. كانت العائلات تتبارى ليلتحق أبناؤهم بكلية الحقوق.. تذكر قول والده له سأرسلك لاستكمال دراستك بالخارج بعد حصولك على الثانوية.

أنهى دراسته متفوقا.. حصل على منحة للدراسات العليا.. عرضوا عليه وظيفة فى الجامعة.. تردد.. شاور والده.. تفاجأ به ينصحه بقبولها..!! كان صوته يمتلأ بالمرارة.. لقد قفزت على ظهر السفينة ونجوت من الطوفان فتمسك بها.. بلدنا لم تعد البلد التى نعرفها ونشأنا فيها.. تغير كل شىء..!!

قبل الوظيفة.. تزوج من طالبة مبتعثة بنفس الجامعة.. رزقه الله بولدين.. دارت عجلة الزمان.. أصبح أستاذا بالجامعة.. كانت أبحاثه والجوائز الذى حصل عليها تملأ أخبارها الصحافة والتلفاز.

تخرج أولاده من الجامعة بتفوق وحصلا على وظائف فى مقاطعة بعيدة.. كانوا يزورنه من حين لآخر.. أصبح الحزن رفيقه الدائم بعدما فقد رفيقة حياته.. لم تمرض يوما.. صحى من النوم وجدها بجانبه وعلى وجهها ابتسامة وقد صعدت روحها للسماء.

تعاقبت عليه النزول فقد توفى والده بعد زوجته بشهور.. أصبح وحيدا.. لولا انشغاله فى عمله لأصيب بالاكتئاب.. عندما يخلو بنفسه فى سريره فى المساء تحاصره الذكريات.

جاءته دعوة لحضور حفلة للجالية مع شخصية كبيرة.. تردد ثم وجده يتوجه للحضور.. تلقى ترحيبا حارا.. كان اللقاء يمتلأ بالكلمات الدافئة المشجعة.. نتمنى أن تتعاون مع الجامعة.. يشرفنا زيارتك.. وعدهم أخيرا وانصرف.

تذكر الهاجس الذى يزوره منذ شهور فى أحلامه لا يريد أن يفارقه.. يحلم أنه مع زملائه وأساتذته خلال المرحلة الثانوية.. يستعيد ذكريات كان قد نسيها منذ زمن بعيد.

كثيرا ما ألح عليه سؤال، هل هو الذى تخلى عن وطنه..؟؟ أم وطنه من تخلى عنه..؟؟ صراع يدور فى نفسه.. يشتعل أحيانا ويهدأ أحيانا أخرى..!! تأخذه نفسه لحجة تؤيد.. لترد عليها بحجة تعارض..!! حنين لا يريد أن يهدأ..!! عذاب كل يوم يتجدد..!!

تذكر قصة النداهة..!! هل يمكن أن تكون حقيقة..!!؟ حزم أمره وأرسل فاكسا للجامعة.. سيقوم بالزيارة لهم فى موعد محدد.

نزل من الطائرة.. أخذ نفسا عميقا.. لأول مرة منذ سنوات بعيدة يتنفس هواء بلاده.. تعجب عندما لم يجد أحدا من الجامعة فى انتظاره..!! أخذ تاكسياً من المطار.. الفندق.

وقف فى شرفة غرفته المطلة على النيل.. أخذ يملأ عينيه بجمال المنظر.. اتصل بالجامعة فى الصباح.. أيوه سعادتك الفاكس وصل.. اسم سعادتك هيكون عند الأمن عند البوابة.. أيوه يافندم الساعة 12.. مع السلامة.

قبل الموعد كان أمام البوابة.. مكتب العميد.. أيوه أسأل جوه.. أخذ يتطلع يمينا ويسارا وهو يسأل نفسه ما هذا الزحام.. شباب وشابات يقفون هنا وهناك.. أصوات ضحكاتهم عالية صاخبة..!!

سأل أحدهم عن مكتب العميد.. قبل أن يجيبه وجد مجموعة من الشباب تجرى فى اتجاه مجموعة أخرى كانت تقف على مقربة منهم ..!!؟ تصاعدت أصوات الصياح..!!؟ هو فيه أيه يا ابنى..!!؟؟

الظاهر هيضربوا الدكاتره.. دكاترة أيه..!!؟؟ دكاترة الجامعة.. مين اللى هيضربوهم..!!؟؟ الطلبة.. طلبة أيه..!!؟؟ طلبة الجامعة.. اتسعت عيناه من الدهشة..!!؟؟

ثوان معدودة وتحول المكان لساحة معركة.. البعض يجرى وآخرون وراءهم يحملون السكاكين والجنازير.. وآخر يمسك بحزام طويل ويضرب به طالبا يذود عن رجل مسن يبدو أنه من الأساتذة يحاول النهوض من الأرض بعد أن أطيح به..!!

شاور له الشاب الذى كان يقف معه.. مكتب العميد هناك.. عميد مين..!!؟ عميد الجامعة.. جامعة مين..!!؟؟ قالها لنفسه وهو يعدو هو والشاب الذى معه بعد أن وجدا أحدهم يتجه نحوهما وفى يده جنزير!!

اتجه لبوابة الخروج وهو مازال لا يصدق ما رأى..!!؟ رجع للفندق وهو مشوش الفكر..!! ألهاذا الحد وصل الأمر..!!؟ أخذ شنطته الصغيرة واتجه إلى المطار.

كان ينطلق من راديو التاكسى أغنية "بوس الواوا".. قطعت فجأة..!! بيان من الجامعة..!!؟ اجتازت الجامعة فترة عصيبة فى تاريخها.. اقتحمها شرذمة من الأساتذة المحسوبين عليها.. كانت لتلك العوامل تأثير كبير أدى لغيابها عن أى ترتيب بين جامعات العالم.

وقد تصدى لتلك الشرذمة مجموعة من خيرة شباب الجامعة الغيورين على سمعتها.. الطالب سيطرة والطالب شلبى البلدوزر بمساعدة الطلاب سعيد جنزير وفتحى لسعة وسيد مجانص.. ولابد أن جميع أبناء الجامعة سيلقون هذا الخبر بالابتهاج.. أن الجامعة اليوم تعمل مجردة من أية غاية.. والله ولى التوفيق.

قال السائق هى الثورة قامت فى الجامعة ولا أيه يا سعادة البيه..!!؟؟ نظر إليه ولم ينطق بكلمة..!! تصدق بالله سعادتك.. ولادى تلاته متخرجين من الجامعة قاعدين لا شغلة ولا فايدة ولا عايدة..!! كل واحد ماسك فى إيده الشهادة قرطاس بيهش بيه الدبان..!! أنا كل مابشوفهم بحس بالقهرة فى قلبى.

جلس أمام المدفأة فى منزله.. أخرج ديوان شعر لأمل دنقل جاء به عندما قدم لتلك البلاد لأول مرة.. كم من مرة توقف أمام تلك الكلمات.. يرقدُ - الآن - فوقَ بقايا المدينة.. زهرة من عَطنْ.. هادئاً.. بعد أن قالَ "لا" للسفينة.. وأحب الوطن..!! طالما سأل نفسه..؟؟ هل كان صاحب الأبيات محقا..؟؟ أم والده عندما نصحه بعدم العودة..؟؟

أغمض عينيه.. مرت الأحداث التى رآها كشريط أمام عينيه.. ودون أن يدرى انزلق الكتاب من يده ووقع داخل المدفأة..!! تنبه.. وجد النار قد أمسكت به.. مد يده بسرعة ليخرجه.. سحبها.. فقد تمكنت النار منه.

تركز بصره عليه.. تحول إلى رماد..!! تماما كما تحول فى نفس اللحظة الصراع الذى عاش فى صدره لسنوات.. تذكر قول والده.. يابنى أن تحس بالغربة فى بلاد غريبة أهون عليك من أن تحسها فى بلدك وبين أهلك..!!؟ أغمض عينيه ولأول مرة منذ سنوات طويلة استغرق فى نوم هادئ عميق.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة