تأتى كثير من القوانين على غير قناعة من المواطنين والقضاة، بينما هم المعنيون فى الأصل باحترامها وتطبيقها.. وعلى عكس دول كثيرة فى الخارج تستطلع رأى مواطنيها قبل البدء فى إقرار أو حتى مناقشة أى تشريع جديد نجد أن نسبة لا بأس بها من التشريعات فى مصر تصدر وبها الكثير من العوار والثغرات التى تصل أحياناً إلى حد قد لا يصلح معه القانون للتطبيق، لأنها تناقش فى غرف مغلقة.
ودون الدخول فى تفصيلات ومناقشات لنصوص قانونية بعينها نجد على سبيل المثال أن الغالبية تفاءلت خيراً بصدور قانون المرور الجديد باعتبار أنه سيقضى على صداع مزمن فى رأس القاهرة الكبرى ومع التطبيق فى الشهور الأولى صدمت نفس الغالبية عندما اكتشفت أن قانون المرور قلب الصداع المزمن إلى ورم خبيث لا فكاك منه، فقد قرر القانون عقوبة الحبس الوجوبى للسير عكس الاتجاه، وهو أمر عظيم لا شك فى ذلك، ولكن مع التطبيق تبين أن نسبة لا بأس بها من شوارع مصر تخلو تماماً من لافتات توضح اتجاه السير بها فتحولت إلى كمائن ثابتة وفخاخ لاصطياد عشرات المواطنين المخالفين كل يوم والنتيجة تحول القانون من الوقاية والتنظيم إلى جباية أموال على حساب تدفق سير المركبات لتحقيق السيولة المرورية التى استهدفها فى الأصل هذا القانون الجديد.
نفس الأمر تكرر مع حزام الأمان والذى اسُتحدث لحماية أرواح الركاب لا لزيادة مساحة الخوف بداخلهم من رجال المرور.. وفى عاصمة يتحرك فيها الفرد بسيارته أمتاراً قصيرة ويتوقف لدقائق طويلة ثم يعاود السير زحفاً مرة أخرى فلابد من جعل حزام الأمان غير إجبارى بوسط العاصمة، وهو ما قد يولد إحساساً لدى المواطن يعمق ثقته فى حكومته بأنها تحميه بدلاً من شعوره بأن تلك الحكومة تستهدف أمواله، وهو ما دفع الغالبية إلى التحايل على موضوع حزام الأمان بالتظاهر بارتدائه وشده دون إحكام ربطه وانشغل معظمنا فى استعراض قدراته على الإفلات من اللجان المرورية، بينما التشريع لم يكن يستهدف من صدوره إلا حماية المواطن خاصة على المحاور والطرق السريعة والدائرية ولو كان هناك استطلاع رأى حقيقى للمواطنين قبل إصدار التشريع لكان المشرع قد تنبه لتلك النقاط وحقق القانون ثماره المرجوة بدلاً مما نحن فيه الآن.
إن السير عكس اتجاه رأى المواطنين ورغباتهم فى قوانين مرنة تضبط إيقاع حياتهم وتحميهم وفى نفس الوقت تضرب بيد من حديد على من يتعمد الخروج عنها يؤدى إلى التراخى فى التنفيذ وعزوف بعض القضاة عن توقيع عقوبات مشددة لعدم الاقتناع بجسامة العقوبة.
كما يفتح باب فساد واسعاً أمام صغار الموظفين لتدبير حلول بديلة من خلال أبواب خلفية للتحايل.. وكل منا لديه عشرات القصص فى هذا المجال وصفحة الحوادث تزخر بها.
أعتقد وقد يشاركنى الكثيرون الاعتقاد أننا فى حاجة إلى إعادة النظر فى طريقة إصدار القوانين بغض النظر عن موادها وأحكامها، فاستطلاع الرأى وأخذ المشورة ممن سيطبقها وممن سيُطبق عليها سيجعل أى تشريع جديراً بوصف الجديد بحق.. لا أن يكون قانوناً جديداً لمجرد أسبقيته فى غابة التشريعات فى مصر.
وبغير ذلك سنظل نتحرك فى مكاننا دون تقدم!.. بينما الفجوة بيننا وبين دول أخرى أقل منا بكثير فى جوانب عديدة تتسع حتى تصير هوة وقد تعزلنا قريباً عن العالم المتقدم بسنوات بعيدة يستحيل علينا تداركها مرة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة