لم يسمع أحد فى عالمنا العربى باسم السيد جوليان أسانج الأسترالى الجنسية، ومؤسس موقع ويكيليكس، إلا بعد أن نشر مدوناته الكثيرة فى عام 2008، والتى حملت فى طياتها الكثير من المعلومات، والتى تدعونا إلى التساؤل: لماذا اختار السيد أسانج ومن معه قرب انتهاء عام 2010 كى ينشروا هذه المعلومات الخطيرة؟ وكيف استطاع أسانج أن ينشرها بل ويعلنها على العالم شرقه وغربه؟ مخترقا أجهزة الكمبيوتر فى الوزارة الخارجية الأمريكية بكل وثائقها وملفاتها السرية؟
وكيف حصل السيد جوليان أسانج على حكم قضائى من المحكمة العليا بالولايات المتحدة بتبرئته من كل التهم والمخالفات المنسوبة إليه؟ بعد قيامه بتسريب معلومات ووثائق البنتاغون عن أسرار حرب فيتنام؟
أغلب الظن أن الإدارة الأمريكية قد سمحت له بنشر هذه الحقائق المفزعة كى تنشغل بها عقول الناس عما تعبث به أيدى القوى الخفية فى شتى بقاع الأرض، من قتل وترهيب لكل أعدائها بحجة القضاء على الإرهاب! وهل هناك إرهاب أشد وأعتى مما تقوم به حكومة العالم أمريكا ومن وراءها من يكتبون كلام الله بأيديهم فى قتل أو اختطاف كل من تسول له نفسه أن يتطاول على حكومة العالم ومن خلفها!
وقد يشيد البعض ممن أعجب بالسيد جوليان أسانج ومدوناته بحرية الرأى والتعبير فى أمريكا والعالم الغربى، ولكن هذه الحرية ليست مطلقة بل لها حدود يعرفها كل من كتب ما يمس أمريكا وربيبتها المفضلة إسرائيل، فلم نعد نسمع بروجيه غارودى بعد أن حوكم بتهمة معاداة السامية، واختفت أخباره عن العالم، وكذلك الحال مع مؤلف الخديعة الكبرى تيرى ميسان الفرنسى الجنسية، والذى ذكر فى كتابه هذا أن أحداث 11 سبتمبر هى محض خديعة ألفتها أمريكا بذكاء شديد كى تخترع على لسان رئيسها السابق جورج بوش الابن، والذى زل به لسانه فى إحدى خطبه العصماء أن الحرب على الإرهاب حرب صليبيية، واعتذرت وسائل الإعلام الأمريكية بشدة عن زلة لسان رئيسها كى تمتص حملات الغضب التى انتشرت انتشار النار فى الهشيم بين المسلمين، ولم يحصل تيرى ميسان على أى تبرئة من قبل أى محكمة عليا أو صغرى فى فرنسا، واختفت أخباره هو الآخر بدوره بعد أن حمل مسؤلية تفجير البرجين الشهيرين إلى ضباط الاستخبارات الأمريكية، كى يتم تحميل مسؤلية تفجير البرجين على عاتق المسلمين فى العالم أجمع.
وبعد أحداث سبتمبر الوهمية انتشر فى الإعلام بشكل غير مسبوق مصطلح الحرب القضاء على الإرهاب دون أن يكون هناك مفهوم واضح لكلمة (الإرهاب)، فبالنسبة للأنظمة الحاكمة: الإرهابى هو كل من توسوس له نفسه أن يقف فى مواجهة النظام الحاكم فى بلده حتى لو كان على حق، وبالنسبة للغرب أصبح الإرهابى هو كل ما يأتى إليهم من الشرق، وخاصة المسلمين، وبالنسبة للقابعين فى سجون الأنظمة، فالإرهابى هو النظام، وبين هؤلاء وهؤلاء تعددت مفاهيم الكلمة المطاطة، وضاع معناها الأساسى، والكل يبرر ما يفعل بأنه حرب على الإرهاب، فعندما غزا بوش الابن العراق وأفغانستان كانت مغامراته حسب ادعائه حرباً على الإرهاب، وعندما دكت أسلحة إسرائيل الثقيلة مدارس الأطفال فى غزة كانت تلك الجريمة المروعة حرباً على الإرهاب، وعندما امتلأت سجون الأنظمة، أينما كانت، بالمعارضين كباراً وصغاراً كان ذلك أيضا حربا على الإرهاب، وفى كل نقطة ساخنة على ظهر الأرض كان القوى يتذرع بالحرب على الإرهاب بالقضاء على من هم أضعف منه.
المهم حين نرصد تفاعل الشارع المصرى والعربى مع وثائق ويكيليكس المسربة عمداً، نجد أن انشغال واهتمام الناس بهذه الوثائق يكاد يكون معدوما، فالناس مشغولون (بأكل العيش) وانتشرت بينهم أقوال مثل (أنا عندى عيال وعايز أربيهم) و(يا عم وإحنا ما لنا خلينا فى حالنا)، وكل هذه التعبيرات تتماشى مع ما أتذكره من خطبة جماهيرية تاريخية لزعيم راحل: إن الحرية الحقيقية للمواطن هى حرية الخبز والماء. والحمد لله أن سيادته لم يضف الهواء، فسوف يأتى على الناس يوم يحمدون الله فيه على نعمة الهواء ونعمة التنفس.
وانشغل الناس فى عالمنا العربى بالبحث عن لقمة الخبز وتوفير الماء الذى لا يستطيعون العيش دونه، وأصبحت كل أمانيهم أن يقوموا بتوفيرهما، فى ذات الوقت الذى أزكمت الأنوف رائحة تسريبات ويكيليكس التى ربما تكون قد سربت فى هذا الوقت بالذات، وإسرائيل تعبث فى أساسات الأقصى، تمهيداً لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم وابتلاع فلسطين العربية، شبراً وراء شبر، ونسبتها إليهم كذباً وزوراً وبهتاناً، والعالم الغربى مشغول بويكيليكس ومغامرات صاحب ويكيليكس، وهم يضحكون علينا خفية لغفلتنا وخيبتنا الثقيلة لانعدام حرية الرأى والتعبير عندنا، فهم لم يعانوا أبدا مثل معاناة الغالبية العظمى فى مجتمعاتنا لتوفير الخبز والماء والكف عن الانشغال بغيرهما من أجل الحرص على تربية أولادنا، ( أى البقاء على قيد الحياة، أو خارج غيابت السجن)، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله من وراء القصد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة