حين غنى محمد عبد الوهاب أغنيته الشهيرة "ما أحلاها عيشة الفلاح" التى كتبها له بيرم التونسى, قوبل بهجوم شديد من الجميع, ليس فقط من دعاة المذهب الاشتراكى الذين رأوا فى كلمات الأغنية الكذب الصريح الذى يتناقض مع الواقع المرير الذى يعيشه الفلاح تحت نير الإقطاع والإقطاعيين، وتفتك به الأمراض المتوطنة بدءا من البلهارسيا وانتهاء بالسرطان مرورا بالفشل الكلوى، والتهابات الكبد، ولعله سب هذه الأغنية أطلق بعض النقاد على عبد الوهاب "مطرب الباشاوات"، وهو اللقب الذى أسعد الموسيقار الشهير أكثر من غيره من الألقاب التى حصل عليها عبر مسيرة طويلة فى عالم الغناء والطرب.
والحقيقة أن عبد الوهاب لو كان حيا الآن لطلب رد اعتباره لدى هؤلاء الذين هاجموه بسب هذه الأغنية، بعد أن أصبح الفلاح المصرى نائبا فى البرلمان "باشا" من الباشاوات الذين يشار إليهم بالبنان، بل وعضوا فى نادى الجزيرة، الذى لم يكن يقبل فى عضويته أقل من أبناء الذوات والأثرياء.
ومن لا يصدق ذلك عليه أن يراجع قوائم العضوية فى مجلس الشعب الحالى, بل والمجالس المنتهية ليرى بنفسه أن أكثر من خمسين ضابطا دخلوا المجلس بصفتهم فلاحين، بل إن بعض الأعضاء الذين دخلوا المجلس بهذه الصفة كانوا من حملة الدكتوراه ومن رجال الأعمال!
لا نقول ذلك من باب التشنيع أو القول المرسل الذى يمارسه بعض المعارضين ليطعن على صحة العضوية لبعض أعضاء المجلس الموقر, بل نقوله بهدف كشف الحقائق التى كثرت فى هذه الأيام محاولات التستر أو الالتفاف عليها والتحايل خرقا للقانون ومخالفة الدستور.
وبمراجعة البيانات التى دونها السادة النواب بخط أيديهم فى الاستمارات التى تقدموا بها للترشيح للمجلس، ستجد الدليل الدامغ على ذلك، ففى استمارة "محمد القيرانى" نائب العمال عن دائرة المنزلة ستجد أمام خانة الوظيفة أنه كتب "رجل أعمال وحاصل على بكالوريوس التجارة ويجيد الإنجليزية"!!
وقد كتب "اللواء سفير نور" الفائز بمقعد الفلاحين بدائرة الدقى، وهل هناك فلاحون فى الدقى، كتب السيد اللواء السفير أنه عضو بالنادى الأهلى ونادى السيارات ونادى الجزيرة!!
أما عاطف النمكى نائب الفلاحين بدائرة "الخانكة" فهو يشغل وظيفة مدير عام بمصلحة الضرائب، كما كتبت خديجة عثمان نائبة الكوتة عن فلاحى الجيزة أنها عضو فى نادى الجزيرة.
كذلك فقد أقر نائب الفلاحين بدائرة منيا القمح أنه رجل أعمال، ولم يذكر فى استمارته أن عمله الأساسى هو الزارعة.!
ومن حملة الدكتوراه الذين تقدموا على مقعد العمال، الدكتورة عبير النجار النائبة العمالية عن الكوتة ببنى سويف، فهى حاصلة على دكتوراه فى القانون الدستورى، وذلك بالمخالفة للدستور الذى ينص على أن من يتقدم للترشيح ممثلا للعمال بمجلس الشعب يجب أن يعتمد بصفة أساسية فى دخله على عمله اليدوى أو الذهنى فى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات على ألا يكون من حملة المؤهلات العليا.
ويبدو أن درجة الدكتوراه التى حصلت عليها عبير النجار لم تعد من المؤهلات العليا التى اشترط الدستور عدم الحصول عليها لمن يتقدم لتمثيل العمال فى مجلس الشعب.. لأنها "يدوب" دكتوراه فى القانون الدستورى..!!
أما تعريف الفلاح، كما جاء فى قانون المجلس، فالمقصود به أن تكون الزراعة عمله الوحيد ومصدر رزقه الرئيسى ويكون مقيما فى الريف، ومن هنا فإن أحدا من هؤلاء النواب الفلاحين لم يخالف القانون أو الدستور، لأن نادى الجزيرة الذى يقيم فيه هؤلاء يعتبر منطقة ريفية، تحيط بها الأشجار من كل جانب ويغطى النجيل الأخضر معظم الأراضى به!
ألم يحق- إذن- لعبد الوهاب أن يغنى "ما أحلاها عيشة الفلاح"، ومن حقه أيضا أن يطلب اعتذارا صريحا من كل الذين هاجموه بسبب هذه الأغنية التى كان يتنبأ فيها برغد العيش والحياة الهنيئة لكل الفلاحين الذين سيأتى عليهم اليوم ليكونوا أعضاء فى نادى الجزيرة أو نادى السيارات، والأهم من ذلك كله أعضاء فى البرلمان بعد حصولهم على الباشاوية بختم النسر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة