نشر المهندس أحمد عز أمين التنظيم فى الحزب الوطنى ومهندس الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مقالا فى اليوم السابع عن رؤيته للانتخابات الأخيرة، كما عرض فيه لإنجازات الحزب، وكنت أتمنى أن يطلب عز تقارير حقيقية وصادقة عن انطباعات الناس عنه هو شخصيا، حتى يكتشف مدى سخط الأغلبية التى لم تشعر بشىء مما قاله، ويقوله دائما عن مظاهر النمو والتنمية فى مصر.
صنع المهندس عز كذبة كبرى حول نزاهة الانتخابات وأحقية حزبه فى الفوز الكاسح بنسبة تجاوزت الـ 90%، والأنكى أنه يريدنا أن نصدقها، ونحن الذين اكتوينا بنيران التقفيل حتى من لم يذهب للجان الانتخابية طاله الشرر، واستحق المهندس عز بأفعاله هذه لقب "قاهر الديمقراطية" عن جدارة واستحقاق.
قدم المهندس عز سواء فى مؤتمر الحزب أو عبر بعض الصحف مرافعة شارك فى كتابتها عشرات الكتاب والباحثين، وضمنها إحصاءات وأرقاما كثيرة للتدليل على إنجازات حزبه خلال السنوات الخمس الماضية والتى حققت له هذا الاكتساح التاريخى فى الانتخابات، ورغم أن لغة الأرقام تبدو عادة مستعصية على أفهام البسطاء وقليلى التعليم إلا أن أرقام عز كانت مكشوفة للجميع، إذ أن الحديث عن زيادة المرتبات بنسب 100% أو 200% أو حتى 300% -وهو ما لم يحدث-، ولم يكن مقنعا لمن يصرفون رواتبهم فى الأيام العشرة الأولى للشهر ويستدينون لتغطية الأيام المتبقية.
حين يقارن المواطن البسيط أوضاعه المعيشية قبل خمس سنوات بالوضع الحالى يجد ترديا من سىء إلى أسوأ، فكيلو اللحوم الذى كان سعره 23 جنيها قبل خمس سنوات تجاوز الستين جنيها حاليا، وكيلو السكر الذى كان يباع بـ 160 قرشا فقط تجاوز 7 جنيهات.
وحتى الأرقام التى تباهى بها المهندس أحمد عز لا ينبغى مقارنتها بالوضع قبل خمس سنوات فقط، بل ينبغى مقارنتها بما كان ينبغى أن يكون بالفعل لو كان لدينا حكومة رشيدة، فحين يتحدث عن امتلاك مليون مصرى لسيارات جديدة خلال 5 سنوات أى بواقع 200 ألف سنويا معظم هذه السيارات رخيصة السعر يتجاهل أن عدد سكان مصر يتجاوز 80 مليونا، وكان من المفترض أن يكون عدد مالكى السيارات أكثر من ذلك أسوة بباقى بلاد الدنيا المحترمة، وبمناسبة ذكر بلاد الدنيا ما كان يصح أن يجعل عز معيار المقارنة مع دول أفريقية متخلفة، بل الصحيح أن يقارن أوضاعنا بأوضاع دول بدأت نهضتها مع مصر أو حتى يعدها مثل تركيا وماليزيا واليونان، أو حتى اليابان.
أما الاستشهاد بزيادة عدد طلاب المدارس الخاصة فهو دليل على تردى العملية التعليمية فى المدارس الحكومية ما دفع أولياء الأمور إلى الهرب إلى التعليم الخاص، كما أن الحديث عن زيادة نسبة تصاريح المبانى بـ 10% خلال عام واحد فقط يقابله تصاعد أزمة الإسكان وارتفاع تكلفة الإيجار والتمليك بصورة كبيرة بسبب فجوة العرض والطلب.
يتحدث عز عن الريف المصرى الذى يمثل 72% من دوائر مصر وما شهده من نقلات تنموية كبيرة، وكأنه يحدثنا عن قرى فى عالم آخر غير قرانا التى تربينا فيها ولا نزال على تواصل معها، وأذكر أننى عدت من زيارة لقريتى فى المنيا قبل يومين فقط، وكانت تلك الزيارة فرصة لمعرفة ما حدث فى الانتخابات الأخيرة حيث ترشح فى دائرتنا أربعة مرشحين رسميين للحزب الوطنى إلى جوار مرشحين آخرين من الوطنى ترشحوا كمستقلين، وقد فوجئت أن عددا ممن شاركوا فى التصويت فى الجولة الأولى بضع مئات فقط، فى حين تراجع العدد إلى بضع عشرات فى الجولة الثانية.
يقول عز إن الحزب الوطنى فى 2010 تغير عن 2005 وإن هذا التغيير هو السبب فى فوزه الكاسح، بعد أن تلقى أعضاؤه وكوادره تدريبات مكثفة لتعزيز الانتماء الحزبى، وتم الأخذ بتجربة المجمعات الانتخابية والانتخابات الداخلية واستطلاعات الرأى، وتدريب الشباب لتوجيه الناخبين أمام لجان الانتخابات، حسنا، إذا كان الحزب كذلك فلماذا لجأ إلى أساليب التقفيل والتسويد والبلطجة لحسم النتيجة لصالح مرشحيه؟!، وإذا كان عز يرى أن مرشحى المعارضة والإخوان فقدوا بريقهم أو أنهم لا يتمتعون بشعبية كافية للفوز فى دوائرهم فلماذا هذا العنف السافر ضدهم فى الانتخابات؟!، ولماذا لم يترك عز ورجاله صناديق الاقتراع لتقول كلمتها؟!.
لن أتحدث كثيرا عن المقارنات التى عقدها عز بين مرشحى المعارضة والإخوان ومرشحى الوطنى فى الدوائر المختلفة، لأن أهل الدوائر أدرى بما حدث فيها، ولا يمكن الضحك عليهم بمقارنات نظرية تحدث على بعد مئات الكيلومترات عنهم، لكننى فقط أشير إلى معيار ذكره المهندس عز حول المرشحين الذين هبطوا على الدوائر قبل شهور أو أسابيع قليلة من الانتخابات، فقد استخدم هذا المعيار بطريقتين متعاكستين، فحين تحدث عن مرشحى المعارضة والإخوان، ادعى أنهم هبطوا إلى الدوائر خلال هذه المدة القصيرة، وبالتالى لم يقبلهم الناخبون، فى حين قبل الناخبون مرشحون آخرون للوطنى وصلوا إلى دوائرهم خلال المدة ذاتها، والأمر نفسه ينطبق على المرشحين الذين وفدوا إلى بعض الدوائر من خارجها.
أخيرا حين يؤكد عز أن ما حدث فى انتخابات 2010 لن يتكرر فى الانتخابات المقبلة، فهذا اعتراف ضمنى منه بما حدث من تجاوزات فاقت الحدود، وتسبب للحزب فى مشاكل لا يريدها أن تحدث مستقبلا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة