انطلق فى الكلام بحماسة واضحة عبر هاتفه المحمول وكأنه يجلس بمفرده فى حجرته الخاصة أو مستلق على سريره، لا أحد يستمع أو يلاحظ أو يعلق، غير أن الزحام أدعى أن يجعل كل فرد يقف لا يلقى بالاً لذاك أو هذا.
يحاول أن يخفض من صوته تارة ثم يعلو الصوت تارة أخرى رغما عنه لعله يتذكر لحظة أن هناك من يسمعون حواره المتدفق مع خليلته! خليلته لا يبدو من الحوار أنها خليلة لتكن خطيبته مثلا أجل غير متأكد.
والحوار ينطلق طبيعيا، فالمحطة التى يريد النزول عندها لم تحن بعد، وقد يكون المترو مسليا خاصة إذا استمعت فقط لحوار بين اثنين أو أكثر، ربما يحلو لك الموضوع الذى يتحاورون فيه فتلق السمع حتى ينتهى الحوار وتصل محطتك، وأحيانا كثيرة لا يروق لك فلا شىء يهمك منه، عندها فقط تظل تتحرى وصول المترو للمحطة التى تريد.
وتوقف سمع العجوز فجأة حين سمع الشاب وهو يؤكد لخليلته قولا هكذا.
ـ سوف أخطفه ! أتعتقدين أنى مازح! أقول لِك والمصحف هاخطفه!!
أحس العجوز قلقًا وريبة وظل يدور فى ذهنه كلام كثير هل من الممكن أن تحدث جريمة؟ وما بدأت مقدماتها إلا حين أقسم قسمه ذلك وأنه سيخطفه، هل هو منافس الخليلة أم زوج سابق أم عشيق يريد أن يمحوه من طريقه؟
وتابع العجوز يستمع الحوار وقد أُرغم على السمع فالشاب لصيق له فى نفس المقعد وصوت الحوار يكاد أن يسمع به الجميع.
قال الشاب مسترسلا مع خليلته : أنت تزوجت وأنت فى الكلية!
وتأكد للعجوز فى هذه اللحظة أنها خليلة غير أنه لم يستمع إلى ردها، إذن هى خطيبة أم خليلة، إذن لا يعرف، ثم أعرض عن طريقة التفكير وعاد ليعيش حاله والمترو.
الزحام يزداد والناس تتدافع مع قرب كل محطة رئيسية والحوار بين الخليلة والشاب لم ينته، والعجوز مشغول بفكره وأسئلة معلقة فى داخله ما الذى ينوى فعله هذا الشاب، كيف يوقف العجوز جموح الشاب؟
فكر أن يتدخل فى الحوار بعدما ينتهى فعلا، ومن ثم يستفسر ويهدأ روع ما سمع، ثم تذكر كتيبات أو كتباً صغيرة بها نصائح فى الدعوة ونظرات فى المشاكل الاجتماعية يحملها معه فى حقيبته، فقرر أن يهدى إليه كتابا منها لعله بذلك يحاول وبطريقة غير مباشرة إقناع الشاب أن يراجع نفسه فيما ينويه، حيث لا قبل للعجوز أن يتدخل فى الحوار مباشرة ويعرف أصل الحكاية ولماذا التهديد بالخطف وارتكاب جريمة بالتالى!
وكان قدر الله مع العجوز كريما للغاية فأسرع يفتح حقيبته ووجد مصادفة كتيبا يحمل عنوانا والعجيب أنه العنوان المقصود والمعنى الذى يريد العجوز إيصاله وكان العنوان "أثر المعاصى"! قدر ساقه القدر.
سبحان الله كأن العجوز وجد ضالته كى يلجم ما نوى عليه الشاب لأجل خليلته، وبالفعل أخرج الكتاب وأهداه للشاب والذى كان يجاوره فى مقعد المترو، وأثار العنوان الشاب فألقى بنظرة تكاد تعقدها الدهشة إلى العجوز أخفت خلفها الكثير الكثير.
وظل الشاب يتابع العجوز بنظراته والذى قام من مقعده، حيث حان نزوله فى المحطة بينما العجوز وقف وحمل حقيبته، التفت بسرعة إلى الشاب وقال له كلمة واحدة:
أسألك الدعــاء..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة