لست على علم بمستوى التنسيق الأمنى بين مصر وسوريا، لكنى فى المقابل على علم بأن مصر مهما كان نوع الخلاف الذى يشوب علاقتها مع دمشق، إلا أنها ترى أن استقرار دولة مهمة مثل سوريا هو استقرار لمصر ذاتها، وهو ما كشفت عنه قضية الجاسوس طارق عبد الرازق المحال حاليا لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ بتهمتين، الأولى هى التخابر والتجسس لصالح الموساد الإسرائيلى، والثانية هى ارتكاب عمل عدائى من شأنه تعريض مصر لقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع سوريا.
التهمة الثانية تثبت إلى أى مدى أن مصر كدولة ونظام حريصة على أن تكون علاقاتها مع أشقائها العرب على نحو جيد، حتى وإن كانت بعض هذه الدول تحاول التقليل من الدور المصرى، وفشلت فى ذلك، فمصر لا تتحرك فى فلك خاص بها وإنما يهمها التعاون مع الآخرين شريطة أن يكون الآخرين حريصين على مصالح الدولة المصرية.
القضية التى كشف عنها الأمن القومى المصرى تؤكد أنه إذا كان أمن دولة عربية معرض للاختراق فإن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى، حتى وإن كان هذا التعرض من جانب مصرى خضع لإغراءات الموساد الإسرائيلى، فالعلاقات ما بين الدول لا تحكمها اعتبارات شخصية أو جنسيات البعض، وإنما تحكمها المصالح العليا، التى حتمت على الأمن القومى المصرى أن يتدخل لفك شبكة تجسس كادت أن تتوسع لتسبب ضررا كبيرا لأمن المنطقة، خاصة أن هذه الشبكة وفقا للتحقيقات التى أجرتها النيابة العامة فيها كانت تنوى استخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة للتنصت على مسئولين عرب.
مصر دولة مبادئ.. هذه ليست جملة تطلق على مصر من فراغ، وإنما لأن مصر بالفعل تحكمها مبادئ وتقاليد، قد يتعمد البعض ألا يراها، لكنها موجودة منذ أن نشأت الدولة المصرية، وهذه المبادئ هى التى تحدثت عنها أيضا الوثائق الأمريكية التى جرى تسريبها عبر موقع ويكليكس والتى كشفت إلى أى مدى التطابق بين ما يقوله المسئولون المصريون فى العلن والسر، فمصر ليس لديها ما تخفيه عكس الآخرين، ممن فضحتهم هذه الوثائق وألجمتهم الصمت، لأنهم للأسف كانوا يصدرون للرأى العام العربى عكس ما يقولونه فى الغرف المغلقة، فكانوا يتحدثون عن المقاومة ودعمهم لها فى العلن، وفى السر يبدون ضيقهم بهذه المقاومة التى حملتهم ما لا طاقة لهم به.